للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعلوا. بل لما رأى علي - رضي الله عنه - وأصحابه أنه يجب عليهم طاعته ومبايعته، إذ لا يكون للمسلمين إلا خليفة واحد، وأنهم خارجون عن طاعته يمتنعون عن هذا الواجب، وهم أهل شوكة، رأى أن يقاتلهم حتى يؤدوا هذا الواجب، فتحصل الطاعة والجماعة» اهـ.

ودليل ذلك ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن زياد بن الحارث قال: «كنت إلى جنب عمار بن ياسر بصفين وركبتي تمس ركبته، فقال الرجل: كفر أهل الشام، فقال عمار: لا تقولوا ذلك، نبيُّنا ونبيُّهم واحد، وقبلتنا وقبلتهم واحدة، ولكنهم قوم مفتونون جاروا عن الحق، علينا أن نقاتلهم حتى يرجعوا إليه» (١).

ولو افتُرِضَ - جدلًا - أن معاوية - رضي الله عنه - قد اتخذ قضية القصاص والثأر لعثمان ذريعة لقتال علي - رضي الله عنه - طمعًا في السلطان، فماذا سيحدث لو تمكن عليٌّ من إقامة الحد على قتلة عثمان؟ حتمًا ستكون النتيجة خضوع معاوية لعليٍّ ومبايعته له، لأنه التزم بذلك في موقفه من تلك الفتنة، كما أن كل من حارب معه كانوا يقاتلون على أساس إقامة الحد على قتلة عثمان، على أن معاوية إذا كان يخفي في نفسه شيئًا آخر لم يعلن عنه، سيكون هذا الموقف بالتالي مغامرة، ولا يمكن أن يقدم عليها إذا كان ذا مطامع.

وحاشانا أن نقول ذلك، فلقد كان معاوية - رضي الله عنه - من كُتَّاب الوحي، ومن أفاضل الصحابة، وأكثرهم حلمًا، فكيف يُعتَقَد أن يقاتِل الخليفة الشرعي ويهرق دماء المسلمين من أجل مُلك زائل (٢)، وهو القائل: «والله لا أخير بين أمرين، بين الله وبين غيره، إلا اخترت الله على ما سواه» (٣)، وسوف يأتي بعد قليل بعض الحديث عن مناقبه - رضي الله عنه -.

وبإخضاع الرواية الجائرة الشائعة عن التحكيم للدراسة والتحليل يلاحظ عليها أنها لا تصح سندًا ولا متنًا:

فسندًا: لأن فيها راويين متهمين في عدالتهما، أحدهما: أبو مخنف لوط بن يحيى (ت. ١٥٧هـ)، قال عنه الإمام الذهبي: «أبو مخنف إخباري تالف، لا يوثق به، تركه أبو حاتم وغيره»، وقال الدارقطني (ت. ٣٨٥هـ): «ضعيف»، وقال ابن عدي (ت. ٣٦٥هـ):


(١) ابن أبي شيبة: المصنف (٨/ ٧٢٢) كتاب الجمل، باب ما ذكر في صفين، رقم: ٥
(٢) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٤٦٤) بتصرف يسير.
(٣) انظر، الذهبي: سير أعلام النبلاء (٣/ ١٥١).

<<  <   >  >>