بعد الحسن رضي الله عنهما، ومنها انبثقت الإسماعيلية والإمامية الاثنا عشرية، وفرقة مالت عن الحسن والحسين وقالت بإمامة محمد بن الحنفية، وعرفت بعد ذلك بالكيسانية .. وبين هذه وتلك منازل شتى.
ولكن قبل أن نستطرد في الحديث عن الفرقة الثانية، نقف مع خلافة يزيد بن معاوية وبعض ما أثير حولها من إشكالات، وما تبعها من أحداث ..
...
[وفاة أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - وخلافة يزيد]
توفي أمير المؤمنين معاوية - رضي الله عنه - بدمشق في رجب سنة ستين، وكان ابنه يزيد غائبًا فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق، ثم دفن، قيل بدار الإمارة وهي الخضراء، وقيل بمقابر باب الصغير، وعليه الجمهور فالله أعلم.
ولما حضر يزيد ترجل عند القبر ثم دخل فصلى على أبيه بعد ما دفن ثم انفتل. فلما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلافة فركب، ثم دخل البلد وأمر فنودي في الناس إن الصلاة جامعة، ودخل الخضراء فاغتسل ولبس ثيابًا حسنة، ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير المؤمنين - وكان معاوية - رضي الله عنه - قد أوصى له بالخلافة - فقال بعد حمد الله والثناء عليه:«أيها الناس، إن معاوية كان عبدًا من عبيد الله أنعم الله عليه ثم قبضه إليه، وهو خير ممن بعده ودون من قبله ولا أزكيه على الله - عز وجل -، فإنه أعلم به، إن عفا عنه فبرحمته، وإن عاقبه فبذنبه، وقد وليت الأمر من بعده، ولست آسى على طلب، ولا أعتذر من تفريط، وإذا أراد الله شيئًا كان»، وقال لهم في خطبته هذه:«وإن معاوية كان يغزيكم في البحر، وإني لست حاملًا أحدًا من المسلمين في البحر، وإن معاوية كان يشتيكم بأرض الروم ولست مشتيًا أحدًا بأرض الروم، وإن معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلاثًا، وأنا أجمعه لكم كله»، فافترق الناس عنه وهم لا يفضلون عليه أحدًا (١).
وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة الأمة، ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلافته، وهي سياسة استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام، وقد أجمعت غالبية الأمة
(١) ابن كثير: البداية والنهاية (٨/ ١٤٣) بتصرف يسير.