للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على بيعة يزيد، أو بمعنى آخر جددت له البيعة بعد وفاة أبيه، ولم يعارض إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما (١).

[ولماذا أوصى معاوية - رضي الله عنه - لابنه يزيد بالخلافة؟]

يقول محب الدين الخطيب (٢): «مبدأ الشورى في انتخاب الخليفة أفضل بكثير من مبدأ ولاية العهد. لكن معاوية كان يعلم بينه وبين نفسه أن فتح باب الشورى في انتخاب من يخلفه سيحدث في الأمة الإسلامية مجزرة لا ترفأ فيها الدماء إلا بفناء كل ذي أهلية في قريش لولاية شيء من أمور هذه الأمة. ومعاوية أحصف من أن يخفى عليه أن المزايا موزعة بين هؤلاء الشباب القرشيين، فإذا امتاز أحدهم بشيء منها على أضرابه ولداته، فإن فيهم من يمتاز عليه بشيء آخر منها. غير أن يزيد - مع مشاركته لبعضهم في بعض ما يمتازون به - يمتاز عليهم بأعظم ما تحتاج إليه الدولة، أعني القوة العسكرية التي تؤيده إذا تولى الخلافة، فتكون قوة الإسلام. كما تؤيده إذا أوقع الشيطان الفتنة على هذا الكرسي بين المتزاحمين عليه، فيكون ما لا يحب كل مسلم أن يكون».

ويقول محمد الخضري بك (١٨٧٢ - ١٩٢٧م) (٣): «إن هذه الطريقة كانت لازمة في هذه المرحلة لصلاح أمر المسلمين ولمّ شعثهم، فإن الطامعين في الخلافة كثيرون وكلهم جديرون بها ... بالإضافة إلى اتساع المملكة الإسلامية وصعوبة المواصلات بين أطرافها، وعدم وجود قوم معينين يرجع إليهم الانتخاب، فإن الاختلاف لا بد واقع، ونحن نشاهد أنه مع تفوق بني عبد مناف على سائر قريش واعتراف الناس لهم بذلك، وهم جزء صغير من قريش، فإنهم تنافسوا الأمر وأهلكوا الأمة بينهم، فلو رضي الناس عن أسرة ودانوا لها بالطاعة، واعترفوا باستحقاق الولاية لكان هذا خير ما يفعل لضم شعث المسلمين ... إن أعظم من ينتقد معاوية في تولية ابنه هم الشيعة، مع أنهم يرون انحصار الأمر في آل علي، ويسوقون الخلافة في بنيه يتركها الأب منهم للابن، وبنو


(١) د. علي الصلابي: خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه -، ص (٣٥ - ٦).
(٢) انظر، هامش (العواصم من القواصم)، لابن العربي، ص (٢١٥).
(٣) محمد الخضري بك: الدولة الأموية، ص (٣١٨).

<<  <   >  >>