للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العباس أنفسهم ساروا على هذه الخطة فجعلوا الخلافة حقًا من حقوق بيتهم لا يعدوهم إلى غيرهم، والنتيجة أن ما فعله معاوية كان أمرًا لا بد منه مع الحال التي كانت عليها الأمة الإسلامية».

ويقول ابن خلدون (١): «والذي دعا معاوية - رضي الله عنه - لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع واتفاق أهوائهم، باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواه وهم عصابة قريش وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا، لعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة» اهـ.

ولقد ركَّز يزيد في أخذ البيعة من النفر الذين لم يبايعوه في حياة أبيه، وكان أهمهم عنده الحسين بن علي، وكان إصرار يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير رضي الله عنهما هو الشرارة الأولى في الفتنة التي اندلعت بين المسلمين، فقد شعر كل منهما بأنه مطلوب، وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد، وأن سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهما، فعادا إلى البيت الحرام، ولجآ إلى مكة المكرمة يطلبان فيها الأمان، ويحتميان بحمى الله فيها، ولئن أصاب يزيد حين أبقى عمال أبيه على الولايات ليضمن استقرار الأمور فيها، فقد خانته عبقريته في إصراره على طلب البيعة من الحسين وابن الزبير، حيث كان إصراره هذا موحيًا بعدم تأمين الحياة لهما، وبأن بقاءهما في عهد يزيد محفوف بالمخاطر، وذلك أدى بهما إلى أن يبحثا عن الأمان، ولم يجداه إلا في تجييش أنصارهما، وحشدهم في مكان يصعب على يزيد وأعوانه أن يقتحموه، وكان ذلك في مكة المكرمة، في جوار بيت الله الذي قال فيه: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (٢)، ولم يكن لهذا التجمع وذلك الحشد نتيجة سوى المواجهة التي أودت بحياة الآلاف من المسلمين، وكان على رأس هؤلاء جميعًا الحسين بن علي - رضي الله عنه - حيث قُتِل في كربلاء


(١) مقدمة ابن خلدون، ص (٢٦٣).
(٢) آل عمران: ٩٧

<<  <   >  >>