للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عثمان» (١)، وهو القائل أيضًا: «اللهم العن قتلة عثمان»! (٢).

فلما امتنع معاوية - رضي الله عنه - عن البيعة، استخلف علي - رضي الله عنه - على الكوفة أبا مسعود عقبة بن عامر البدري الأنصاري، وخرج بجيش قوامه مئة ألف إلى صِفِّين في الشام. وبلغ معاوية أن عليًا تجهز وخرج بنفسه لقتاله فأشار عليه رجاله أن يخرج هو أيضًا بنفسه، فخرج الشاميون نحو صفين، والتقى الجيشان، ونشب القتال.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (٣): «وأما قول القائل: إن عليًا بدأهم بالقتال، قيل له: وهم أولًا امتنعوا من طاعته ومبايعته وجعلوه ظالمًا مشاركًا في دم عثمان، وقبلوا عليه شهادة الزور ونسبوه إلى ما هو بريء منه»، قال ابن العربي (٤): «قالوا: لا نبايع من يؤوي القتلة».

وقال (٥): «وأما الصواب فيه فمع علي، وتهمة الطالب للقاضي لا توجب عليه أن يخرج عليه، بل يطلب الحق عنده، فإن ظهر له قضاءٌ وإلا سكت وصبر، فكم من حق يحكم الله فيه. وإن لم يكن له دين فحينئذ يخرج عليه، فيقوم له عذر في الدنيا. ولئن اتُّهِم عليٌّ بقتل عثمان فليس في المدينة أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو متهم به، أو قُل معلوم قطعًا أنه قتله، لأن ألف رجل جاءوا لقتل عثمان لا يغلبون أربعين ألفا!».

قال ابن حجر العسقلاني (٦): «ذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي لامتثال قوله تعالى {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (٧) الآية، ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية، وقد ثبت أن من قاتل عليًا كانوا بغاة، وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه لا يُذَم واحد من هؤلاء، بل يقولون: اجتهدوا فأخطأوا»، وقال


(١) تاريخ الطبري (٤/ ٤٤٤).
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية (٧/ ٢٤٣).
(٣) ابن تيمية: منهاج السنة (٤/ ٤١٠).
(٤) ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (١٦٢).
(٥) السابق، ص (١٦٤ - ٥) باختصار، وقد تقدم الكلام عن أسباب مقتل عثمان على الرغم من وجود جماعة من كبار الصحابة - رضي الله عنهم - بالمدينة، راجع كلام الحافظ ابن كثير.
(٦) ابن حجر: فتح الباري (١٣/ ٦٧).
(٧) الحجرات: ٩

<<  <   >  >>