للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبلاد العربية - مع الأسف - ضعيفة الوعي، إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي، فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملهما معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة (١) ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة، وهي ضعيفة في الوعي الديني والوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي، وذلك ما جر عليها ويلًا عظيمًا وشقاءً كبيرًا وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة» اهـ.

إذن، فمحاولة لإعادة تقويم وعي الأمة وتجاوز هذا الجحر اللادغ! سطَّرت هذه الكلمات، عملًا بقول ربنا - جل جلاله -: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (٢). ورضي الله عن حذيفة إذ يقول: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني» (٣)، وعن عمر إذ يقول: «إنما تُنقَض عُرَى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لم يعرف الجاهلية»؛ قال ابن القيم رحمه الله (٦٩١ - ٧٥١هـ) (٤): «وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوَّبه وحسَّنه. وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره، أو شر منه أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويُكَفَّر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويُبَدَّع بتجريد متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيٌّ يرى ذلك عيانًا، والله المستعان» اهـ.


(١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يُلْدَغ المؤمن من جحر واحد مرتين» [رواه البخاري، كتاب الأدب: ٥٧٨٢].
(٢) الأنعام: ٥٥
(٣) رواه البخاري، كتاب المناقب: ٣٦٠٦
(٤) ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين (١/ ٣٤٤). يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله (١٩٠٦ - ١٩٦٦م): «الجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية لحياة البشرية كما أرادها الله» اهـ. [قاله في تقديمه لكتاب أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين].

<<  <   >  >>