للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت حركة الإصلاح الديني قد وطدت أقدامها منذ أن انفصل الملك هنري الثامن Henry VIII (١٤٩١ - ١٥٤٧ م) عن روما الكاثوليكية (١).

وفي إنجلترا، وصلت النهضة العبرية، بأفكارها المتداخلة المؤيدة للصهيونية ضمنًا، ذروتها في عهد الثورة الپيوريتانية في القرن السابع عشر. وكانت الپيوريتانية Puritanism تمثل أشد أشكال الپروتستانتية تطرفًا، وقد ظهرت كحركة مناهضة للأصول التي وضعتها الملكة إليزابيث الأولى Elizabeth I (١٥٣٣ - ١٦٠٣ م) للكنيسة الإنجليزية، والتي شابهت بعض أصول الكنيسة الكاثوليكية في روما، الأمر الذي رفضه الپيوريتانز بشدة (٢).

ولكن تجدر الإشارة إلى أن الپيوريتانية، شأنها في ذلك شأن العبرية المسيحية إبان مجدها، لم تكن محصورة في إنجلترا وحدها - كما يزعم بعض المؤرخين الصهاينة -، بل امتدت إلى كافة أرجاء أوروپا، حيث كانت الپروتستانتية راسخة الأقدام. ولقد كانت الأفكار الصهيونية راسخة في الإحساس الشعبي في الأراضي المنخفضة الكالفنية، إذ أن اليهود الإسپان الذين فروا هربًا من محاكم التفتيش وجدوا ملاذًا لهم ولقوا كل ترحيب كحلفاء ضد العدو المشترك للملك الإسپاني والكنيسة الكاثوليكية (٣).

ولقد غالى الپيوريتانيون في إجلال الكتاب المقدس مع إعطاء الأولوية للعهد القديم، وكانوا يجمعون بين نزعة حب الخير لليهودية والانطباع بأن اليهود هم خلفاء العبرانيين القدامى. وكان إكبارهم للعهد القديم وأهله ناجمًا عن الاضطهاد الذي قاسوه على يدي الكنيسة الرسمية. وكانت معلوماتهم عن حياة اليهود المعاصرين ضحلة، بل كانت معلوماتهم سطحية مستقاة من اطلاعهم على التوراة العبرية والتماثل بالتالي بين اليهود المعاصرين وبين شعب الله. وقد دفعهم هذا إلى اتباع مواعظ العهد القديم التي هجرها اليهود أنفسهم منذ عهد بعيد.


(١) السابق، ص (٢٩ - ٣٠).
(٢) انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Puritan.
(٣) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (٤٢).

<<  <   >  >>