للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النحو التالي: هل اليهود فرنسيون أم إنهم أمة داخل أمة؟ وعزف أعداء اليهود على نغمة (الخطر اليهودي) وأشاروا إلى أن اليهود جسم متماسك غريب منبوذ، ولذا فلا بد من التخلص منه. أما العقلانيون، فكانوا يطرحون الخط الاندماجي الذي يرى أن مشكلة اليهود الأشكناز ليست مسألة كامنة في طبيعتهم وإنما تنبع من وضعهم الشاذ ومن إنكار حقوقهم السياسية والمدنية، وأن الحل يكمن في تحديث اليهود وإعتاقهم، أي إعطائهم حقوقهم كاملة وتشجيعهم على الاندماج مقابل أن يتخلوا عن خصوصيتهم اللغوية والثقافية والإثنية في الحياة العامة. وهذا هو المعنى الذي تضمنته عبارة اليهودي الألماني موسى مندلسون Moses Mendelssohn (١٧٢٩ - ١٧٨٦ م) رائد حركة التنوير اليهودية (الهسكالاه Haskalah)، قال: «كن يهوديًا في بيتك، ومواطنًا مخلصًا في الطريق».

وحاول الأشكناز من جانبهم الإبقاء على عزلتهم المتمثلة في القهال وفي رفض المؤسسات الحديثة التي أنشأتها الثورة. ومما زاد المسألة اليهودية الأشكنازية تفاقمًا، أن كثيرًا من الفلاحين الفرنسيين الذين اشتروا أراضي كبار الملاك التي صادرتها الثورة اقترضوا الأموال اللازمة لإتمام هذه العملية من المرابين اليهود، ولكنهم عجزوا عن تأدية ديونهم، وهو ما جعل أعضاء الجماعة اليهودية محط السخط الشعبي في الفترة ما بين (١٨٠٢ - ١٨٠٥م). ومن هنا طرحت المسألة اليهودية نفسها على ناپليون.

وقد كان لدى ناپليون بعض الخبرة بشأن أبعاد المسألة اليهودية، وكان قد انتهى لتوه من تنظيم علاقة الدولة بالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الپروتستانتية، ولم يبق سوى تنظيم علاقتها باليهودية. فأوقف كل الديون، ثم دعا عام ١٨٠٦م إلى عقد مجلس ضم مائة عضو من وجهاء اليهود في الأراضي الخاضعة لحكم فرنسا. وترأس مجلس الوجهاء يهودي سفاردي من بوردو Bordeaux، وطرح عليهم اثنى عشر سؤالًا عن موقف اليهود من بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية المهمة المتعلقة بعلاقتهم بوطنهم (١).


(١) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٤/ فرنسا منذ الثورة) باختصار وتصرف.

<<  <   >  >>