للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك، فثمة نظرية تذهب إلى أن المقاومة لم تكن على أية حال لتجدي فتيلًا، وذلك لأن الأغلبية الساحقة من الشعب الألماني لم تكن تمانع في الإبادة، فضلًا عن أن آلة الحرب والمخابرات والإبادة الألمانية كانت على درجة عالية من الكفاءة والقدرة على الفتك (١).

والموضوع خلافي للغاية، وقد بيَّنا عدم اكتراث الصهاينة بالمقاومة اليهودية وغير اليهودية للنازيين. ولكن يبدو أن المسألة كانت تتخطى مجرد عدم الاكتراث بمصير اليهود وعدم الاشتراك في المقاومة، إذ يبدو أن الصهاينة اكتشفوا، أثناء الإرهاب النازي ضد اليهود، ذلك التناقض العميق بين فكرة الدولة اليهودية ومحاولة إنقاذ اليهود.

وقد حدد بن جوريون القضية بشكل قاطع (في ٧ ديسمبر ١٩٣٧م) حين أكد أن المسألة اليهودية لم تَعُد مشكلة آلاف اليهود المهدَّدين بالإبادة وإنما هي مشكلة الوطن القومي أو المستوطن الصهيوني. وقد أدرك بن جوريون خطورة فصل مشكلة اللاجئين اليهود عن المشروع الصهيوني والتفكير في توطين اللاجئين في أي مكان إن لم تستوعبهم فلسطين. وأكد بن جوريون أنه «إن استولت الرحمة على شعبنا ووجه طاقاته إلى إنقاذ اليهود في مختلف البلاد فإن ذلك سيؤدي إلى شطب الصهيونية من التاريخ». وفي العام التالي صرح بن جوريون أمام زعماء الصهيونية العمالية: «لو عرفت أن من الممكن إنقاذ كل أطفال ألمانيا بتوصيلهم إلى إنجلترا، في مقابل أن أنقذ نصفهم وأنقلهم إلى فلسطين فإني أختار الحل الثاني، إذ يتعين علينا أن نأخذ في اعتبارنا، لا حياة هؤلاء الأطفال وحسب، بل كذلك تاريخ شعب إسرائيل».

وإذا كان بن جوريون على استعداد بالتضحية بنصف الأطفال اليهود من أجل الوطن القومي الصهيوني فإن إسحق جرونباوم Yitzhak Gruenbaum (١٨٧٩ - ١٩٧٠ م) (رئيس لجنة الإنقاذ بالوكالة اليهودية) قد تجاوز الحدود تمامًا؛ ففي حديث له أمام اللجنة التنفيذية الصهيونية في ١٨ فبراير ١٩٤٣م، صرح قائلًا أنه لو سُئل إن كان من الممكن


(١) السابق (٢/ مقاومة الجماعات اليهودية للنازية) باختصار وتصرف يسير.

<<  <   >  >>