وكانت وسيلتها التي طرحت نفسها - تلقائيًا ومنطقيًا - هي أن يكون يهود أمريكا هم الجسر الذي يعبر عليه مشروع إقامة الوطن اليهودي في فلسطين من أحضان أوروپاإلى حِضْن أمريكا.
ومن الواضح أن يهود أمريكا أصبحوا على استعداد لأسباب كثيرة:
بينها بداية معرفة تبلورت لديهم بما حدث لليهود في ألمانيا ثم في أوروپاالتي خضع معظمها للاحتلال النازي سنوات الحرب. وكانت المعلومات في هذا الشأن متوفرة من قبل الحرب عن طريق موجة الهجرة في الثلاثينات، وقد حملت إلى الشواطئ الأمريكية يهودًا من طراز ألبرت أينشتاين Albert Einstein [١٨٧٩ - ١٩٥٥ م] وحتى طراز هنري كسنچر. ثم لحق بذلك ما تسرب من معلومات عما كان يجري وراء دخان الحرب.
ومن نتيجة ذلك أنه تولد لدى يهود الولايات المتحدة إحساس بنوع ما من عقدة الذنب، وظنوا أن في استطاعتهم التعويض عنه بدمج شبه كامل بين الحركة الصهيونية في أوروپاوبين نظيرتها الأمريكية التي كانت قوتها تتنامى.
ولم تكن الحركة الصهيونية في أوروپاتريد من يهود أمريكا مجرد حفلات تجمع فيها التبرعات، وإنما كانت تريد منهم أن يحملوا قوة الولايات المتحدة أو الجزء الأكبر منها وراء المشروع الإسرائيلي، وذلك بالتأييد السياسي والدعم العملي اقتصاديًا كان أو عسكريًا.
وكانت أهم مقولات الحركة الصهيونية الأوروپية لنظيرتها الأمريكية في تحديد الواجبات المستقبلية هي القول بأن "يهود أوروپااستطاعوا الحصول على الوعد بالدولة - وعد بلفور - وقد أوشكوا على تحقيق قيام الدولة بمقتضاه، وعلى يهود أمريكا أن يستكملوا الطريق بتحقيق هدفين تحددا بوضوح، وهما:
- تأكيد وتثبيت قيام الدولة.
- تحقيق اعتراف العرب بقيامها باعتبار أن ذلك هو الضمان الشرعي الوحيد لبقائها. فمن الممكن للطرف الأقوى أن يفرض على طرف أضعف منه أمرًا واقعًا يريده، لكن ذلك لا يحقق لهذا المراد شرعيته، وإنما تستقر الشرعية حين يقدم الضعيف اعترافه بالأمر الواقع وإن كان مفروضًا عليه.