للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المذكر، وكما جرت العادة في استخدام صيغة الجمع للتوقير والتعظيم (١)، فيصير المراد هنا الاسم (بكة Baca).

فما القول في هذا؟ أرى أن القول قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (٢).

أيضًا، نلاحظ في الفقرة السابقة من سفر التثنية أن عبارة «وأتى من رُبى القدس» يقابلها في النسخ الإنجليزية: «he came with ten thousands of saints»، عدا - فيما وجدت - نسخة يونج Young's جاء فيها: «and has come with myriads of holy ones»، وسكتت نسخة داربي Darby عن هذه العبارة. والمعنى أنه: «جاء ومعه عشرة آلاف قديس». فالملاحظ أن الترجمة العربية أسقطت هذه العبارة من النص، وكيف ذلك؟ ألا ينقلان من أصل واحد؟! نعم وإنما وقع ذلك لطمس حقيقة المراد من الآية؛ ذلك لأن أتباع موسى - عليه السلام - المخلصين كان عددهم سبعين رجلًا (٣)، وأتباع عيسى - عليه السلام - المخلصين كان عددهم اثني عشر حواريًّا (٤)، في حين أنه كما هو معلوم من السيرة النبوية أن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين فتحوا مكة في رمضان في العام الثامن من الهجرة كان عددهم عشرة آلاف صحابي، وقد جعلها الله - عز وجل - علامة بارزة لأهل الكتاب، لما تبع ذلك من ظهور للإسلام وانتشار لدعوته (٥).


(١) ومثال ذلك كلمة (إلوهِم Elohim) العبرية التي تطلق عادة لوصف إله إسرائيل الواحد، وكلمة (مُحَمَّدِم Muhummedim) الثابتة في المخطوطة العبرية لسفر نشيد الأنشاد Song of Solomon (٥: ١٦)، والتي تعني (الشخص كثير الحمد، محمود الصفات، كثير الخصال الحميدة)، وترجمت إلى (وهو شَهيٌّ كُلُّه altogether lovely)، في قوله: «رِيقُهُ أعذَبُ ما يكون، وهو شَهيٌّ كُلُّهُ. هذا حبيبي، هذا رفيقي، يا بنات أورشليم». ولا دافع لهذا إلا نفي صفة النبوة عن رسول الله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -.
(٢) البقرة: ٧٩
(٣) الأعراف: ١٥٥، سفر الخروج ٢٤: ١، سفر العدد ١١: ١٦
(٤) متى ١٠: ١
(٥) قال ابن كثير رحمه الله: «قال مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: "والله إن لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا". وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظَّمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد نوَّه الله بذكرهم في الكتب المنزَّلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال هاهنا: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}، ثم قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: ٢٩]» اهـ[ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (٧/ ٣٦٢)] .. وحقيقة أعجبني تعليق البعض حينما قال: «والغريب أن الكتب المقدسة تصفهم بالقديسين، وبعض من يدعي الإسلام يصفهم بالمرتدين والمنافقين!».

<<  <   >  >>