للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنخوة، والرجولة، والشجاعة، ورفض الذل، ومقاومة الظلم، وعدم الاستسلام لمؤامرات اليهود وغيرهم، بل مقاومتها والقضاء عليها وعلى أهلها، فثابروا وصابروا حتى انتصروا على أعدائهم.

لقد كان مكر اليهود في غاية الدهاء تكاد تزول منه الجبال، ولكنه لم يفلح مع الرعيل الأول بسبب القيادة النبوية والمنهج الرباني الذي سار عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١).

وصدق من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -، القائل: «إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليذكر مصيبته بي [أي بوفاته - صلى الله عليه وسلم -]، فإنها من أعظم المصائب» (٢)؛ قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا» اهـ (٣).

وعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، قال: «بينا نحن جلوس عند عمر، إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة؟ قال: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره، تكفرها الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقا، قال عمر: أيُكسَر الباب أم يُفتَح؟ قال: لا، بل يكسر، قال عمر: إذًا لا يغلق أبدا، قلت: أجل» (٤).

فلقد دل قول حذيفة على أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان بمثابة الباب المُغلَق في وجه


(١) د. علي الصلابي: السيرة النبوية، عرض وقائع وتحليل أحداث، ص (٣٥٣).
(٢) رواه الدارمي، كتاب المقدمة: ٨٥، وإسناده صحيح.
(٣) رواه ابن ماجه، كتاب الجنائز: ١٦٣١ وصححه الألباني. فائدة: يقول الأستاذ سعيد حوى رحمه الله تعليقًا على قول أنس: «قوله: وما نفضنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا، فيه رد على من ادعى أن حال الصحابة ورقيهم الروحي لا يُفَسَّر بوجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسهم، وهو قول انتشر في هذا العصر ويكفي في رده قوله - جل جلاله -: {وَيُزَكِّيهِمْ}، كما أن في هذا الحديث ما يدل على أن الرقي القلبي منوط بالاجتماع مع أهل الحق والارتباط الروحي فيهم، ومن ههنا نؤكد على الانتساب للعلماء العاملين والربانيين المخلصين، ونؤكد على الأخذ منهم ومجالسة الصالحين من عباد الله» اهـ[سعيد حوى: الأساس في السنة وفقهها (٢/ ١٠٤٦)].
(٤) رواه البخاري، كتاب الفتن: ٧٠٩٦

<<  <   >  >>