للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن الآية الأولى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}، فإن سليمان - عليه السلام - لم يرث مالًا، وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم، وذلك لثلاثة أمور:

الأول: قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وَرَّثوا العلم» (١).

الثاني: إن داود - عليه السلام - قد اشتهر أن له مائة زوجة وله ثلاثمائة سرية (أي أَمَة) وله كثير من الأولاد، فكيف لا يرثه إلا سليمان؟ بل إخوة سليمان أيضًا يرثونه، فلا يعقل أن يكون تخصيص سليمان بالذِكر ومعه ورثة آخرون لو كان الأمر إرثًا عاديًا - أي مالًا -، أيضًا، لو كان الأمر إرثًا عاديًا ما كان لذكره فائدة في كتاب الله - عز وجل -، إذ إنه من الطبيعي أن الولد يرث الوالد.

الثالث: ما رواه شيخهم الكليني عن المفضل بن عمر قال: «قال أبو عبد الله - عليه السلام -: إن سليمان ورث داود، وإن محمدًا ورث سليمان، وإنا ورثنا محمدًا»، وعن ضريس الكناسي قال: «كنت عند أبي عبد الله - عليه السلام - وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله - عليه السلام -: إن داود ورث علم الأنبياء، وإن سليمان ورث داود، وإن محمدًا صلى الله عليه وآله ورث سليمان» (٢)، فقد علم أن هذه وراثة العلم والنبوة، وإلا فوراثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - مال سليمان لا يتصور شرعًا ولا عقلًا.

وأما عن الآية الثانية: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} فنقول:

أولًا: إنه لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولدًا حتى يرث المال فحسب، فكيف نرضى بهذا لنبي كريم وهو زكريا - عليه السلام -.

ثانيًا: المشهور أن زكريا - عليه السلام - كان فقيرًا يعمل نجارًا، فأي مال عند زكريا - عليه السلام - حتى


(١) رواه أبو داود، كتاب العلم: ٣٦٤١، وصححه الألباني. وانتبه هنا لاتهام الخميني - عليه من الله ما يستحقه - لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - بافترائه الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مسلم المتقدم، في حين أنه يقول عن رواية أبي داود هذه: «الحديث صحيح» [انظر، الحكومة الإسلامية، ص (٩٣)]، وذلك كي ينصر مذهبه في ولاية الفقيه، مع العلم أن الروايتين صحيحتان وتحملان نفس المعنى!!
(٢) الكليني: الأصول من الكافي (١/ ٢٢٤ - ٥).

<<  <   >  >>