(٢) ومن عجيب ما قرأته ما رواه شيخهم رضا الصدر (١٣٣٩ - ١٤١٥هـ) في ترجمة إمامهم ابن المطهَّر الحُلِّي (٦٤٨ - ٧٢٦هـ)، حيث يقول ما نصه: «والده: هو الشيخ الإمام سديد الدين، يوسف بن المطهَّر. كان من كبار العلماء وأعاظم الأعلام، وكان فقيهًا محققًا مدرسًا عظيم الشأن، ينقل ولده العلاَّمة أقواله في كتبه. وحينما حاصر الشاه المغولي هولاكو خان مدينة بغداد، وطال الحصار وانتشر خبره في البلاد، وسمع أهل الحلّة بذلك، هرب أكثرهم إلى البطائح ولم يبق فيها إلا القليل. فكان الشيخ سديد الدين من الباقين. فأرسل الخان المغولي دستورًا، وطلب حضور كبراء البلد عنده، وخاف الجماعة من الذهاب إليه من جهة عدم معرفتهم بما ينتهي إليه الحال. فقال الشيخ سديد الدين لمبعوثي الملك المغولي وهما: تكلة، وعلاء الدين: إن جئت وحدي كفى؟ قالا: نعم .. فذهب معهما إلى لقاء الشاه، وكان ذلك قبل فتح (!) بغداد .. فسأله الشاه: كيف قدمت على الحضور عندي قبل أن تعلم مايؤول إليه الأمر؟ وكيف تأمن إذا صالحني صاحبكم ورجعت؟ فأجاب الشيخ: إنما قدمت على ذلك لما رويناه عن إمامنا علي بن أبي طالب في خطبته الزوراء، قال - عليه السلام -: "الزوراء، وما أدراك ما الزوراء! أرض ذات أثل، يشيَّد فيها البنيان، ويكثر فيها السكَّان، ويكون فيها مهازم وخزَّان، يتخذها ولد العباس موطنًا، ولزخرفهم مسكنًا، تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون بها الجَور الجائر والخوف المخيف، والأئمة الفجرة والأمراء الفسقة والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه، يكتفي منهم الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك الغم العميم والبكاء الطويل والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك. وهم قوم صغار الحَدق، وجوههم كالمجان المطرّقة، لباسهم الحديد، جُرد مُرد، يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ ملكهم جهوري الصوت، قوي الصولة، عالي الهمة، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا تُرفَع عليه راية إلا نكسها، الويل لمن ناواه. فلا يزال كذلك حتى يظفر ... "، ثم قال له الشيخ: وقد وجدنا تلك الصفات فيكم. رجوناك فقصدناك ... ، فأصدر الشاه مرسومًا باسم الشيخ، يطيّب فيه قلوب أهل الحلّة وأطرافها ... ، وبفضل هذا الشيخ الكبير وعبقريته كانت سلامة الحلّة والكوفة والمشهدين من سطوة المغول وفتكهم» اهـ. [انظر، ابن المطهر الحلي: نهج الحق وكشف الصدق، مقدمة رضا الصدر، ص (٦ - ٧)].