مدرستين معزولتين هكذا في العالم الإسلامي خلال القرن الثالث/ التاسع وحتى القرن السابع/ الثالث عشر، أو بعبارة أخرى كيف يمكن أن ينسجم هذا الافتراض مع واقع التاريخ؟
هذا ولا يمكن هنا سرد آراء روسكا جميعها المتعلقة بنشأة ومصادر الكيمياء العربية، التي لا تؤدي إلى أي وضوح. وإنّ آراءه وآراء مؤرخي الكيمياء العربية المشابهة- المتعلقة بموضوع المصادر والنشأة- قد فقدت أهميتها إلى حد كبير بعد ما ظهرت دراسات باول كراوس ونشرت عام ١٩٤٢ - ١٩٤٣ م. ولقد بقيت دراسات كراوس، على الرغم من بعض الانتقادات الموجهة لها محتفظة بالموقع الرئيسي الحاسم في هذا المجال حتى يومنا هذا. صحيح أن دراسات كراوس تتناول مؤلفات تحمل اسم كيميائي واحد لا غير، هو جابر بن حيان، إلا أنها تكاد تكون تاريخا أساسيّا للكيمياء العربية، ذلك أن هذا الكيميائي قد طبع هذا الفرع من العلوم بطابعه الخاص إلى حد بعيد من جهة، وأنه من الممكن، بلا شك، اعتبار دراسات كراوس أجدى وأغنى وأشمل دراسة في هذا المجال. ولقد حشد المؤلف مواد وفيرة في شرح الموضوع المتعلق بمصادر ونشأة الكيمياء العربية، بيد أنه لم يقترب- فى اعتقادي- من حل هاتين المسألتين، وذلك مذ بدأ يشكّك في دراسته الأولى، عام ١٩٣٠ م، في صحة المجموع «مجموع كتب جابر» ومذ شرع كذلك في النظر إلى الموضوع على أنه نتاج إسماعيليّ أو نتاج مدرسة زمن متأخر يمتد من عام ٢٥٠ هـ إلى عام ٣٥٠ هـ. وحصل هذا في وقت كان التفكير فيه قد بدأ لتوه يتغير- اعتمادا على الاقتناع بصحة المجموع- في مجال تقويم المصادر والاستنتاجات الخاصة ببدايات الكيمياء العربية، وعلاوة على ذلك حتى في مجال تحديد بدايات الفروع الأخرى للعلوم العربية أيضا وترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية (انظر ص ٢٤٧ وما يليها).
ولقد تحددت دراسة كراوس لجابر من خلال ثلاث وجهات نظر:
١ - لا ينبغي البحث عن بدايات العلوم في البلدان العربية الإسلامية قبل زمن حدّد بحوالي عام ١٥٠ هـ.