للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتفسير عقلاني، وإلا فلا يمكن لها أن تكون موضوع علم دقيق، فعلاوة على الملاحظة التجريبية، التى تسعى لإثبات حتى الخواص غير العادية للأشياء الطبيعية، لا بد من تعيين العلل التى تتوقف عليها. «ولطالما ربط جابر في كتابه «كتاب الخواص» مفهوم الخواص بمفهوم العلة، فهو لا ينتقد فقط علماء الدين لإنكارهم وجود الخواص، وإنما ينتقد الفلاسفة أيضا- وبخاصة أرسطوطاليس منهم- الذين يزعمون أن علة الخواص تتمنّع على الإدراك البشري (١)». «كذلك فلقد قال محمد بن زكريا الرّازى (الذى كان حيّا بعد قرن على الأقل (٢)) في رسالته الصغيرة عن الخواص إننا لا نعرف العلل التى تحدد الخواص (٣). أما جابر فقد حاول أن يجد تفسيرا سببيا للعلل (٤)».

«وقد كان جابر، انطلاقا من قناعته بإمكانية قيام العلم الطبيعي على قاعدة الإتقان المتين، كان شجاعا بما فيه الكفاية ليؤمن بأنه انتزع من الطبيعة آخر خفاياها.

إن سمة هذا العلم البارزة أنه لا يعترف بوجود أي حد للتفكير البشري (٥)» اعتمادا منه على ثقته بالعقل البشري وبناموس الطبيعة تساءل جابر ألا يمكن أن يكون التوليد ممكنا «فالكائن الحيّ بالنسبة له بل الإنسان نفسه، إنما هو نتيجة تفاعل قوى الطبيعة.

فالطبيعة تخضع لدى توليدها إلى قانون الكمية والعدد، يكشف سره بواسطة قياس الميزان. فمن الممكن- من الناحية النظرية على الأقل- محاكاة تدبير الطبيعة، بل تحسينه عند الحاجة» (٦). ولقد صاغ جابر، مستوحيا ذلك من الفكرة القديمة التى تفيد أن الصنعة (texvn) تحاكى الطبيعة (xuols) صاغ هذه الفكرة صياغة جريئة للقارئ المسلم. ومن المحتمل جدّا أنه طبق على علم الطبيعة (تلك)


(١) المصدر السابق ص ٩٤.
(٢) ما يقع ضمن القوسين فمن المؤلف.
(٣) كراوس، ii ص ٩٥. يرى كراوس أن الرازي يتفق مع النزعة المشائية (peripatetisch) للتراث الطبي اليوناني القديم. وقد أحال كراوس إلى: w.jaeger الطب اليوناني ومدرسة أرسطاطاليس،
diokles vonkarystes, diegriechischeme dizinunddiesehul edesaristoteles
، برلين ١٩٤٨ ص ٣٨.
(٤) كراوس، ii ص ٩٥.
(٥) المصدر السابق ص ٩٨ - ٩٩.
(٦) المصدر السابق ص ٩٨.