للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد عول جابر في كوسمولوجيته، حيث نقطتها المركزية في ناموس العلة، عول بشكل رئيسي على شرح عالم المادة. وما عالم العقل بالنسبة له إلا امتداد لعالم المادة.

ولعله ينطلق في كوسمولوجيته من أسس الأفلاطونيين الجدد، عند ما يتصور الكون دوائر مركزية، أو بعبارة أدق عند ما يتخيله (١) سطوح كرات بعضها في بعض موحدة المركز.

وقد استبدل الأقنوم الأول من الأقانيم «hypostasen» الأفلاطونية الجديدة الثلاثة، استبدل به «البارئ». ومما يلفت النظر حقّا أنه لم يتخيل دوائر الكواكب حتي النجوم الثابتة فحسب، بل تعداها بالتصور حتي دوائر الأقانيم الثلاثة (٢). وقد عبر جابر عن مفهوم الدائرة في اللانهاية ب «دائرة لا نهاية (لها) (٣)» آخرها متصل بالأول مما تحويه»، وعنده أن الكواكب من عالمنا المادي. وقد استعمل جابر كلمة «عالم» بمعان عديدة، فهو لا يذكر «عوالم» العلة والنفس والجوهر فحسب، بل ذكر عالم الكيفيات الأربع أي:

الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، وقد جعل جابر الطبائع الأربع الأخيرة هذه أو البسائط، وهي عنده أقانيم وليست أعراضا، «akzidenzien» وضعها على حدود عالمنا المادي. وقد ذكر جابر كطبيعة خامسة، جوهرا يقال له «الهباء» لا يشبه الطبيعة الأرسطوطاليسية الخامسة «جرم الفلك» بحال من الأحوال. هذا الجوهر، أو بالأحرى هذه الطبيعة، خلافا للعناصر الأربعة في عالمنا الأرضي، يعد أقنوما من الأقانيم ويشكّل أساس تكوين العناصر الجسمية. وقد ذكر جابر أن الفلاسفة تكلموا في الطبيعة الخامسة، أي في «جرم الفلك»، ولم تزد عليه شيئا، فلم يرض بذلك، الأمر الذي اضطره لأن يشرح بدقة كي يستطيع القاريء تصورها بوضوح. فهذا الجوهر الذي جرت العادة أن يقال له «جرم الفلك»، قابل لكل شيء وهو الذي في كل شيء ومنه كل شيء وإليه يعود كل شيء كما خلقه بارئه وبهذا الجوهر يمتلئ الخلاء. فان لم يعلم ما هو من هذا القول، فهو الهباء الأبيض المتعلق في الهواء، إذا وقفت عليه الشمس


(١) «وأنه يكون فى تلك الدائرة إحدى عشرة دائرة ودوائر أخر كثيرة» (مختار رسائل ص ٤١٣).
(٢) كراوس ii ص ١٤٩.
(٣) إضافة من كراوس ii ص ١٣٩، ن ٤.