للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقدح وظهر. ذلك هو جرم الفلك المنير الأعظم وهو الجسم الذى في سائر الموجودات الثلاثة التي هي: الحيوان والنبات والحجر (١).

«ويظهر في جرم الفلك هذا الذي هو الفلك المنير الحاوي للعالم الذي نحن فيه والذي يوسم بالأثير، يظهر الجوهر في أول الأمر لا جسميّا ويقبل شكلا ولونا معينا، فيصير جسما. وهذه الدائرة نفسها هي مكان الطبائع الأربع اللاجسمية التي تنمو معا فتكسب جسمية ما، عند ما تتحد مع الجوهر أي مع الطبيعة الخامسة. وتشكل أعلى الدوائر، التي اختلط فيها عالم الجوهر وعوالم العناصر البسائط أو الطبائع الأربع، تشكل الصلة بين اللاجسميات والجسميات (المحسوس واللامحسوس)، فهي نهاية الكائن الوهمي وأول الكائن الجسمي؛ مثل هذه غير فاعلة. (passivitat) وهي ك لا جسم، جوهر بسيط متجانس يلتقي فيه الكل والجزء، وهي ك جسم مركبة، متحركة، متعلقة بالزمان والمكان. ويحكم تعلق النفس بالجوهر وبحكم المزج الذي يحصل بينهما يتحول الجوهر من لا جسمية إلى جسمية ويحدث نمو الجسم والانتقال من اللامحسوس «intelligibel» إلى المحسوس ومن البسيط إلى المركب. فإذا ما حدث أن اختلطا وأصبحا شيئا واحدا، نزلا متتابعين إلى عوالم الطبائع الأربع وتحولا إليها، ويخضع أساسا لتوليد (الكون) العالم الجسمي هذا، شوق (أو شهوة أو توقان) النفس للجرم.

وقد اكتفى جابر بتحديد: أن الشوق هذا أو الشهوة هذه التي تمد الجوهر بالقوة الفاعلة، تتعلق بالاختيار المطلق للنفس، لكنه لم يبيّن لنا، لماذا كانت النفس الجاهلة تحس هذه الشهوة. كما أنه لم يدرس وهو الطبيعي «الفيزيائي» علة نزول النفس ولا النتائج المترتبة عليها من ذلك. فلقد كان همّه الوحيد تفسير حادثة توليد «كون» الأجسام، ولم يتخلّ في هذا الجزء من علمه في حال من الأحوال عن التفكير الفيزيائي، ليستبدل به تفسيرا لاهوتيّا أو حتى غنوسطيّا (٢)».

وبالنسبة لتوليد «تكوّن» الجرم المستمر فقد أدى بجابر إلى أن يتخيل دائرة أخرى، سماها «دائرة الخلاء»، تقع دون دوائر الطبائع الأربع المركزية، تتشبث النفس


(١) مختار رسائل ص ٤٢٩؛ كراوس، ii ص ١٥٢ - ١٥٥.
(٢) كراوس.١٥٦ - ١٥٥، ii