للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا ويعبّر جابر عن إيمانه بالترتيب الرياضي في عالم المادة وبتفسير إمكانية التحولات الكيفية للمواد على أساس كمي، يعبر عنه أوضح ما يمكن في نظرية الميزان التي سماها: علم الميزان، حيث يفهم جابر فيها «الحقيقة التي مفادها أن خواص الأشياء قابلة للوزن وبخاصة في مجال الكيمياء وأنها تقوم علي نسب عددية محددة. فإذا ما فقد الخل طعمه الحامض بالمرداسنج، «bleiglatte» على سبيل المثال، فقد كان للخل أصلا تركيب معين يعبر عنه بالأرقام، تغير بالمرداسنج الذي يمكن تصوره بمفهوم عددي كذلك. وعليه لا يتوقف ظهور الخواص، وفي هذه الحالة قدرة المرداسنج على تغيير الخل، على المصادفة وإنما على طبيعة الجسم الباطنة، والتحكم في تغيير هذه الطبيعة هو مهمة التدبير الكيميائي، فإذا كانللخواص تعليل رياضي كان للتدبير مشروعيته وبالتالي- كما يرى جابر- تأكدت صحته. وبهذه الطريقة، يصبح علم ميزان الأجسام ناموس الأشياء الرياضي في الكون، يبين ترتيب الأشياء وتجانسها، فهو يظهر في كل شيء مهما كان صغيرا، كما أنه من جهة أخرى المفهوم المجرد العظيم لعالمنا. فالميزان صورة رمزية لترتيب العالم على افتراض أنه لا يمكن وجود سوى تعليل رياضي واحد للخواص وأن هذا التعليل جليّ بذاته ولا يفهم تارة بهذا الشكل وتارة بشكل آخر، وباختصار أنه ليس هنا سوى نمط واحد من الميزان وأصل أعلى واحد للعالم (١)».

وهكذا ينبغي أن ترجع كل معطيات العلم البشري إلى نظام الكمية والميزان، إذا ما أريد لها أن تتصف بصفة العلم الدقيق (٢). ولقد حاول جابر، انطلاقا من هذه النقطة، أن يخضع كل ما وصل إليه من فروع العلم أن يخضعه للميزان بعناية، كما حاول تمحيص كل ما عرف من تجارب العلماء القدامى وتصحيحها. فلقد، عرف على سبيل المثال، نظريات الأطباء القدامى المتعلقة بالأخلاط الأربعة وصلاتها بالعقاقير، كما عرف الأغذية والأدوية الموصوفة لهذا الغرض. لكنّ تصنيف القدامى وحتى المنهج


(١) كراوس: التقرير السنوي الثالث drit terjahresbericht ص ٢٥ - ٢٦.
(٢) كراوس، ii ص ١٨٧.