للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الضروري بالنسبة لنظرية الميزان، وقد كان للعنصر اللغوي دوره العظيم عند وضعها، من الضروري استخدام الصلة بين الموسيقى واللغة من جهة وبين نظرية في أصل اللغة من جهة أخرى (١). وقد اعتمد عند مناقشة هذا التشابه على دور العروض الذي لا ينبغي أن ينظر له إلا كمرحلة أولية للموسيقى، كما كان واقع الحال في الماضي البعيد. كما اعتمد في حال العروض بشكل رئيسي على نظريات العلماء العرب المعروفة آنذاك، وإن كان شرحه المستعمل لذلك نمطا رياضيّا (٢). «إذا كانت الموسيقى والعروض تأليفا عدديّا، فالنفس- سواء أكانت نفس الجوهر أم نفس العالم- تتلاءم مع هذا التعريف، إذ تطبع نفس العالم فيها التأليف المناسب لها عند اتصالها بالجرم وتصنع أجساما تخضع للعدد والكمية (٣). كذلك تبين النفس الجوهرية تأليفها معها في الموسيقى واللغة يستنتج من ذلك أن هناك علاقة وثيقة بين تركيب الأجسام من جهة وبين تركيب اللغة من جهة أخرى (٤).

وقد وجد جابر أفضل برهان على هذه النظرية في نظريته أصل اللغة. يدلي جابر برأيه فيما يتعلق بالسؤال: إذا كانت اللغة جاءت عن اتفاق أم عن مصادفة أم مرجعها «لتوقان النفس الطبيعي» حيث يفيد أنه من الخطأ الفاحش أن يزعم أن اللغة نشأت بالوضع أو الاتفاق أو بالمصادفة، فاللغة جوهر طبيعي الأصل، لا ترجع إلى وضع وإنما إلى تشوق النفس، فكل أعمال النفس جوهرية. وكذا الحروف التي تشكل «مادة» الكلام، إنها صنع النفس ولذلك فهي جوهرية (٥).

وبعد أن دافع جابر عن نظرية منشأ اللغة الطبيعي بإيراده البراهين المختلفة، تساءل وفقا لنظريته في إمكانية توليد كائن موجود أو غير موجود، تساءل فيما إذا كان


(١) المصدر السابق م ٢ ص ٢٥٣.
(٢) المصدر السابق ص ٢٥٣ - ٢٥٤.
(٣) انظر المصدر السابق ص ٢٠٦.
(٤) المصدر السابق ص ٢٥٥ - ٢٥٦.
(٥) كراوس ii ص ٢٥٦ وما بعدها.