للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكن للعرب أي علم (١) بفسيولوجيا (علم وظائف) النبات لأدركت أهمية القرائن التي استنبطها زلبربرغ «silberberg» مما وصل من اقتباسات أخذت عن كتاب أديب لغوي من علماء القرن الثالث/ التاسع، وتتعلق هذه القرائن بأعمال علماء النبات العرب. إلا أن تفسيره المقتضب المذكور أعلاه والذي جاء فيه أن العرب بلغوا في أعمالهم المتعلقة بالنبات في القرن الثالث/ التاسع، وبشكل رئيسي عن طريق مسلك البدو التجريبي، بلغوا اليونان بل فاقوهم. إن تفسيره هذا لم يعد ليقنعنا. ولقد كان مثل هذا التفسير، التفسير الوحيد الممكن تخيله تحت تأثير الفكرة التي سادت في ذاك الوقت والمتعلقة بنشأة العلوم العربية وبدايات تدوين الكتب العربية. إن ما اكتشفه زلبربرغ في كتاب أبي حنيفة من منهج نباتي وعلم نبات تطبيقي وعلم وظائف (فسيولوجيا) النبات وعلم الصور والأشكال (المورفولوجيا) المتطور إلى حدّ كبير، إن ما اكتشفه لا يمكن أن يقتصر على الاستعداد الفطري التجريبي عند البدو، بل لا بد من وجود أسباب أخرى ساعدت على ذلك. ونحن، مرة أخرى، إزاء قضية مصادر العلوم العربية، فهي تقابلنا في كل فرع من فروع العلم تقريبا. خلافا للآراء السائدة حتى الآن فإن تفسير الأعمال المتعلقة بالنبات من القرن الثالث/ التاسع، يجب أن يتلمس فيما سبق من تطور للفرع عند العلماء العرب الذين استطاعوا أن يأخذوا من مصادر شتى. من هذه المصادر علم نظري وفي حقيقته تجريبي، لا يرجع إلى الأحوال المعيشية عند البدو فحسب بل يرجع كذلك إلى أنه إرث عن الآراميين. وإذا ما حدد زمن نشأة «كتاب الفلاحة النبطية» الذى ترجمه ابن وحشية، في القرن السادس، بل ربما القرن الخامس الميلادي، فإنه ينتج عن ذلك إمكانات لا تقدر بالنسبة لمعرفة مصادر العلوم العربية بوجه عام، وعلم النبات بوجه خاص. وقد علق ماير (٢)، وهو أهل لذلك، على قيمتها الموضوعية، بالقول إن الكثير من وصف هذا الكتاب لا يقل عن وصف dioskorides وقد كان أفضل وصف في ذاك الوقت، وأن الكتاب تضمن مع ما فيه عن الفلاحة، «علما واسعا في العلاج بالنسبة للمزارع. وقد امتاز الكتاب بهذا العلم بوفرة


(١) ماير «meyer» مصدره المذكور له آنفا ج ٣ ص ٢٥٨.
(٢) تاريخ النبات م ٣ ص gesch.d.bot.٥٨