بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ص ٢٢٩١.
ومن الثاني: ما أخرجه أحمد في مسنده، من حديث أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإِيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"، مسند أحمد ٤/ ٤٢١، وأخرجه مرة أخرى من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلفظ: "لا تؤذوا عباد الله ولا تعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته"، مسند أحمد ٦/ ٢٧٩.
أما ما يطلبه الأستاذ صلاح عيسى، من أن يكتب العرب سيرهم الذاتية بنفس الصراحة والصدق اللذين كتب بهما "جان جاك روسو" اعترافاته، فهذا ليس عدلاً، وليس إنصافاً، مع ما فيه من إغفال للموروث الديني، فجان جاك روسو ومَنْ إليه من سائر القوم يرجع إلى بيئة مختلفة عن بيئتنا، وأعراف اجتماعية مباينة لأعرافنا، وموروث ديني يغاير موروثنا.
وليس يخفى أن مصطلح "الاعترافات" عند القوم له دلالة خاصة ترتكز على أساس ديني، وتتطلب إجراءات ووسائط يعرفها الناس، أما في موروثنا الديني فالأمر في غاية اليسر والسهولة، فما عليك إلا أن تكاشف نفسك في لحظة صدق، وحدك منفرداً، تبسط أخطاءك وخطاياك أمام عينك، ناوياً البراءة منها، والخلاص من أثقالها، طالباً من ربك - ليس بينك وبينه حجاب - العون على تجاوزها، معاهداً له على عدم العودة إليها، فإذا صح منك العزم واستجبت للبراءة والتوبة في ظاهر أمرك وباطنه، خرجت من ذنوبك كلها كيوم ولدتك أمك، وليس للناس بعد ذلك حاجة في أن يعرفوا ما كان منك وما صرت إليه، فحسبهم منك الوجه الطيب والعمل الزاكي.
ويبقى في كلام الأستاذ صلاح عيسى ما ينبغي الوقوف عنده، والاحتفال به، وهو "الصدق" فيما يكتبه الناس من سيرهم الذاتية.