الذين يأخذون الأمور من أيسر طرقها يرون أن محمود شاكر قد حارب طه حسين وسلامه موسى ولويس عوض ليس غير؟ وهذا غير صحيح؟ فإن محمود شاكر وهو بسبيل تصحيح النظر إلى تراث هذه الأمة، ثم الدفاع عنه، تناول أعلاماً كباراً من المتقدمين بنقود قاسية جدّاً، وفي هذا الطريق نقد الجاحظ والمرزوقي والتبريزي، بل إنه نقد الإِمام الجليل أبا بكر الباقلاني في كتابه "إعجاز القرآن" الذي يراه أهل العلم رأساً في هذا الباب، ونقد من قبله المتكلمين المسلمين، وبخاصة المعتزلة، في قضية إعجاز القرآن، وكان يرى أن المعتزلة قد خدعوا الناس بمقولاتهم العقلية، بل رأيناه هو يقسو على نفسه كثيراً إذا زلَّ في فهم، أو غاب عنه وجه الصواب، ومن أمثلة ذلك استدراكاته على تحقيقاته التي يثبتها في آخر الكتاب، أو في الطبعة التالية، وهذه نماذج من تلك الاستدراكات التي شدد فيها على نفسه هو، وقد اخترتها من تحقيقه لكتاب جمهرة نسب قريش، للزبير بن بكار، يقول:"وقد أسأت أشدّ الإِساءة في الحاشية رقم (٣) وينبغي طمس هذه الحاشية". ويقول عن شيء من تفسيره، وظهر له خطأه:"وفسَّرتُه متعجِّلاً"، ويقول في موضع ثالث:"وهو سهوٌ مني شدي".
ويقول في مستدركات تحقيق طبقات فحول الشعراء:"عجلتُ فقلت ما قاله ياقوت، فأخطأت خطأ لا شك فيه، فلا أدري كيف تهاوى فيه ياقوت؟ "
نحن إذن أمام رجل يتحرَّى الصواب، ويروم الصدق، وقد التزم جانب المكاشفة والمصارحة، وترك التجمُُّل والتكلّف والمصانعة، ويعلم الله أننا لو رُزقنا بضعة رجال من طراز محمود شاكر لكان الحال غير الحال!
ثم ذكرت يا أستاذ حسين ثورة الشيخ محمود على الأفغاني والشيخ محمد عبده، وقد غاب عنك أن الذي يقوله الشيخ في هذين الرجلين هو رأي كثير من الناس، من قبل محمود شاكر ومن بعده، ولقد أطلعنا الأديب المثقف الرقيق علي شلش رحمه الله، قبل وفاته بأيام، في بيت محمود شاكر، على وثائق خطيرة تدين الأفغاني، وتحقق رأي الناس فيه. أما الشيخ محمد عبده، فقد عابه كثير من الناس