والفعل "رجع" هنا استعمله الجارم متعديا فنصب به "رنتها"، وكذلك استعمله متعدياً في قوله:
وقف تجدد آثارها ... وتنشر للعرب أشعارها
وترجع بغداد بعد الفناء ... تحدث للناس أخبارها
وفي هذه القصيدة نفسها يقول:
ترد الشبيبة للصالحات ... وترجع للدين هتارها
وهذا الفعل الثلاثي "رجع" يستعمل لازماً ومتعدياً، فيقال: رجع الحق إلى صاحبه، ورجعت أنا الحق إلى صاحبه، وهذا هو الأفصح أن يستعمل "رجع" متعدياً، فيقال: رجعت الكتاب إلى صاحبه، ولا يقال: أرجعته، إلا في لغة لهذيل ضعيفة.
وعلى تلك اللغة الفصيحة جاء القرآن الكريم، قال تعالى: } فَإن رَّجَعَكَ اللَّهُ إلَى طَائِفَةٍ مِّنْهُمْ {[سورة التوبة: ٨٣]، وقال تعالى: } فَرَجَعْنَاكَ إلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ولا تَحْزَنَ {[طه: ٤٠]، وقال تعالى: } تَرْجِعُونَهَا إن كُنتُمْ صَادِقِينَ {[الواقعة: ٨٧]، وقال تعالى: } عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الكُفَّارِ {[الممتحنة: ١٠]، وقال تعالى: } أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ قَوْلاً {[طه: ٨٩]، ثم جاء المصدر من الثلاثي أيضاً، فقال تعالى: } إنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ {[الطارق: ٨]
ومن ثقافة الجارم اللغوية أيضاً استعماله الفعل "أمل" مخفف اللام، فقال:
إذا أمل الفتى فالهزل جد ... وإن يئس فالجد هزل
وأكثر ما يستعمل الناس هذا الفعل مشدداً "أمل" إلى حد أن هذا الفعل المخفف- مع سلامته اللغوية ومجيء اسم الفاعل واسم المفعول منه مجيئاً صالحاً "أمل ومأمول"- قد خفي على بعض النحاة الأوائل، وهو أبو نزال الحسن بن صافي بن عبد الله البغدادي، المعروف بملك النحاة، المتوفى (٥٦٨ هـ) فقد أثر عنه أنه قال: "وأمل، لا أسمعه فعلاً ماضياً"، وقد رد عليه ابن الشجري، وذكر له أن اللغويين حكوه وأجازوه، وذكر له شيئاً من شواهده، ومنها قول المتنبي: