للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«تأويل مشكل القرآن» برواية قاسم بن أصبغ هذا، عن ابن قتيبة، بمنزله ببغداد، في شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين ومائتين.

وتصور لنا كتب التراجم إقبال أهل المغرب على علمائهم العائدين من المشرق، لسماع ما تلقوه عن علماء مكة والعراق ومصر والشام (١). ولقد بلغ من حرصهم وشدة تتبعهم أنهم كانوا يسألون كل قادم من المشرق، ولو كان من التجار. روى الزبيدي عمن أخبره عن عبد الوهاب بن عباس بن ناصح، قال: «كان أبي لا يقدم من المشرق قادم إلا كشفه عمن نجم في الشعر بعد ابن هرمة، حتى أتاه رجل من التجار، فأعلمه بظهور حسن بن هانئ» (٢)، يعني أبا نواس.

وقد كان لاستيلاء بني أمية على بلاد المغرب بعد ذهاب دولتهم في المشرق، أثر كبير في إذكاء روح العربية بتلك البلاد، ويؤثر عن عبد الرحمن بن معاوية المعروف بالداخل أول خلفاء بني أمية بالأندلس، الكثير من البر بالعلماء والإجلال لهم، وكذلك سار بنوه من بعده، دعماً لقواعد الملك، واستكمالًا لمظاهر الخلافة. قد تناهت أنباء هذا البر وذلك الإجلال إلى المشرق، فسعي أدباؤه إلى هناك، حيث عطايا الخلفاء موصولة بهبات الوزراء. ذكر ياقوت في ترجمة أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني صاحب كتاب «الأغاني»، قال: «وله بعد تصانيف جياد فيما بلغني كان يصنفها ويرسلها إلى المستولين على بلاد المغرب من بني أمية، وكانوا يحسنون جائزته، لم يعد منها إلى الشرق إلا القليل. والله أعلم» (٣). وقد سمى هذه التصانيف الوزير جمال الدين القفطي (٤).

وهذا أحد أعلام الأدب العربي في المشرق: أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي القالي، صاحب كتاب «الأمالي» يفد على القيروان سنة ٢٣٩ هـ، وقد جلب في قافلته أحمالًا كثيرة من نفائس المؤلفات المشرقية، ما بين لغوية وأدبية وتاريخية،


(١) طبقات النحويين واللغويين, صفحة ٢٧٥ (ترجمة عفير بن مسعود).
(٢) المرجع السابق, صفحة ٢٦٢, وأيضاً: تاريخ علماء الأندلس, صفحة ٢٩٦.
(٣) معجم الأدباء ١٣٠/ ١٠٠, طبعة دار المأمون.
(٤) إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢/ ٢٥٢, بتحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>