للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من اللغة وغيرها، وصنف كتاباً في النحو سمَّاه «التبصرة» وأحسن فيه التعليل على مذهب البصريين، ولأهل المغرب باستعماله عناية تامة، ولا يوجد به نسخة إلا من جهتهم» (١).

ويقوي كلام القفطي هذا أني عرفت ثلاث نسخ مخطوطة من هذا الكتاب، كلها مكتوبة بخط أندلسي مغربي عتيق: النسخة الأولى محفوظة بمكتبة الإمبروزيانا بميلانو، كتبت سنة ٥٨٢ هـ، والثانية بالخزانة العامة بالرباط، نسخت سنة ٥٩٧ هـ، والثالثة بخزانة القرويين بفاس، وهي من خطوط القرن السادس في أكبر الظن. وبقي من هذا الكتاب نسخة رابعة، ذكر المستشرق كارل بروكلمان أنها محفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس، ولا أعلم من حالها شيئاً فأذكره.

وقد ذهبت مؤلفات المغاربة النحوية بالذيوع والشهرة في معاهد الدرس والتعليم مشرقاً ومغرباً، فهذه ألفية ابن مالك الجياني الأندلس تحظى بالشهرة، ويتلقاها الناس بالقَبول، ويرجعون إليها في ضبط قواعد النحو والصرف، ويأخذون بها ناشئتهم وصبيانهم (٢).

وهذا متن الآجرومية، لم يطاوله متن آخر: ضبطاً لقواعد النحو وحصراً لمسائله ويسراً في صياغته، ولا يزال موضع التلقَّي والقَبول إلى يوم الناس هذا. وصاحب هذا المتن هو: أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي، عرف بابن آجروم، ومعناه بلغة البربر: الفقير الصوفي. وهو من أهل فاس.

وفيما عدا هذين الفنين شارك المغاربة في سائر فنون التراث، درساً وتصنيفاً، ثم كان لهم فضل إظهار آثار المشارقة: شرحاً لها وكشفاً لغوامضها.


(١) إنباه الرواة, الجزء الثاني, صفحة ١٢٣, والصِّيْمَري: بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الميم.
(٢) على الرغم من غلبة ألفية ابن مالك على معاهد الدرس مشرقاً ومغرباً, فقد رأيت الصبيان في مسجد الجامع الكبير بمدينة صنعاء - أثناء رحلتي في العام الماضي إلى اليمن - يتدارسون «ملحة الإعراب» للحريري صاحب المقامات. وهذه «الملحة» أشهر نظم نحوي قبل ألفيتي ابن معطي وابن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>