للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد دلَّنا كتابُ الله تعالى على حقيقة الدُّنيا، وما حُفَّت به من الشَّهوات، ودلَّنا على عظمة شأن الآخرة، بأيسر العبارات، وأدقّها مضمونًا، وأنفذها إلى القلب، وأعلاها بيانًا، وأبان عن بعض ما في الآخرة من ثواب وعقاب، ولم يفصِّل صورهما ولا أشكالهما، ووضَّح لنا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعض ما يكون في عَالمِ الْبَرْزَخِ، ولم يفصِّل فيه القولَ تفصيلًا شاملًا؛ لأنَّ الهدف من ذكر ذلك العالم تذكيرُ ذوي الألباب، وتحذيرُ العباد من مغبَّة الوقوع في المعاصي والآثام الَّتي تفسد على الإنسان آخرته، وليس الهدف منه أن يعطي صورة تفصيليَّة للآخرة، ولا ما يكون في البرزخ وهو بعضها. وعندما تختزن ذاكرة الإنسان هذه المفاهيم ينضبط سلوك الإنسان، أو هكذا ينبغي أن يكون الحال.

فضبط السّلوك في النِّهاية هو الهدف, وضبط السلوك إنّما يكون بقناعة الإنسان وإيمانه، بتوسط بين التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ؛ فما جاء في القرآن العظيم وَالسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ من مُسَاءَلَة في الحياة الآخرة، ليس الهدف منه تحويل حياة الإنسان إلى رعاب في الدُّنيا. وقد أدرك المؤلِّف - جزاه الله خيرًا- هذا الأمرَ أَحْسَنَ إدراك، فتجد في عمله هذا ما يجعل الموعظة قريبةً إلى القارئ، فموعظته - بحقّ- تشقُّ طريقها إلى النَّفس دون استئذان.

لا يكون العلم بخبر الآخرة والبرزخ إلا بما أخبرنا الله - جل جلاله - به، وما عرَّفنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ ذلك من الغيب الَّذي نؤمن به، والغيب لا يتوصَّل إليه إلَّا بِالنَّصِّ الْقُرْآنِيِّ وَصَحِيحِ الْأَثَرِ. ولذلك كان المؤلّف ـ حفظه الله ـ يروي الأحاديث الصَّحيحة في هذا الباب، بحرص شديد، وهذا هو المسلك الذي ينبغي أن يكون؛

<<  <   >  >>