للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ قَالَ: إِنَّ اللهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ... (١٦٤)} [الأنعام]، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللهُ {أَضْحَكَ وَأَبْكَى (٤٣)} [النّجم]، قَالَ ... ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَوَالله مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ شَيْءٍ" (١).

وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَتَأَوَّلَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى مَنْ وَصَّى بِأَنْ يُبْكَى وَيُنَاحَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وعُمِل بوصيّته، فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ ونوح أَهْلِهِ عَلَيْهِ؛ لأنَّ ذلك مِنْ سعيه، أَمَّا مَنْ بَكَاه أَهْلُهُ وَنَاحُوا عليه مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ لِقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ... (١٦٤)} [الأنعام].

ولعلَّ ما يؤكِّد ذلك، وأنَّه إنَّما يُعَذَّب إذا رضي منهم النّوح عليه، أنَّ البخاري قيده في ترجمته للباب بقوله: "إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ" (٢).

قلت: وليس المراد مطلق البكاء، فقد جاء مقيّدًا، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ" (٣)، فيحمل المطلق على المقيّد. وليس مطلق النّوح يعذّب الميّت عليه، وإنّما يعذَّب إذا أوصى النَّاس بالبكاء والعويل عليه بعد موته، لأنَّ وصيَّته مخالفة لِلسُّنَّةِ، أو لم يوص بترك البكاء والإِعْوال وهو يعلم أنَّ أهله قد يقع منهم ذلك إذا هلك.

فإذا لم يأمر به ولم يرضه ولم يهمل الوصيَّة ولم يفرِّط بالوصيَّة بتركه، فلا


(١) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٢/ص ٦٤٢) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (ج ٢/ص ٧٩) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(٣) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (ج ٢/ص ٨٠/رقم ١٢٩٢) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.

<<  <   >  >>