شيء عليه، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ... (١٨)} [فاطر].
ولعلَّ ما يؤكِّد أنَّه ليس كلّ ميِّت يُعَذَّب بالبكاء، وإنَّما ميِّت مخصوص، أنَّ كلمة (الميّت) دخلت عليها (أل) العهديَّة الَّتي تدخل على النكرة فتكسبها شيئًا من التَّعريف، فتجعل مدلولها فردًا معيّنًا بعد أن كان مبهمًا عامًّا.
وسمِّيت عهديَّة لأنَّها تدخل على كلِّ معهود بين المتكلم والمخاطب، فالمراد ميِّت معهود معيَّن. ومعلوم أنَّ ما عُرِّف بِـ (ألْ) العهديّةِ، فهو معرَّفٌ لفظًا لاقترانه بألْ، ومعنًى لدلالتِه على مُعَيّنٍ، فهو بحكم المقيَّد، فالمراد ميِّت بعينه، وليس مطلق ميِّت، أيّ ميِّت.
ولا يصحُّ أن يقال إنَّها (أل) الجنسيَّة؛ لأنَّ (أل) الجنسيَّة تدخل على اسم لا يراد به معيّن، بل كلّ فرد من أفراد الجنس، فهي تفيد الاستغراق والشّمول والإحاطة والعموم؛ فمصحوبها في حُكم النَّكرةِ من حيثُ معناهُ، فالمعرَّف بِـ (ألْ) الجنسيّةِ نكرةٌ معنًى، معرفةٌ لفظًا، فلا يجوز أن يقال كلمة (الميّت) نكرة معنى؛ لأنّ
النَّكرة تفيد العموم.
أو بعبارة أخرى ما تدخل عليه (أل) الجنسيّة يكون لفظه معرفة، لكنّ معناه معنى النَّكرة المسبوقة بكلمة: كلّ، فيشمل كلّ فرد من أفراد مدلولها، فأل الجنسيّة يصحّ أن يحلَّ محلّها لفظة (كلّ) فلو قلت: النّهر عذب، لكان المعنى: كلّ نهر عذب، ولو قلت: الميّت يعذّب، لكان المعنى: كلّ ميّت يعذّب، هكذا يخرج الكلام مطلقًا، وهذا لَيْسَ مُرَادًا من الحديث الشَّريف قَطْعًا، والمراد مَا بَيَّنَّاهُ جَزْمًا.
ومن الأخبار الَّتي توهم أَنَّ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ عُذِّبَ بَعْدَ مَوْتِهِ، ما رواه مسلم