للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك يُعَذَّبُ الميِّت في قبره بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إذا أمر به في حياته، أو إذا لم يوص أهله بتركه، وهو يعلم أنّه سيقع منهم بعد موته نياحة، وضَرْب خدود، وَشَقّ جيوب، ودعوى جاهِلِيَّة ورضي بذلك، عَن عمر - رضي الله عنه -، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ" (١). أمّا إذا نهاهم في حياته، ولم يرض منهم ذلك، ووقع منهم شيء بعد وفاته، لم يكن عليه شيء إنْ شاء الله تعالى.

ومن الأمور الَّتي تقتضي عذاب القبر ما وقع في الرّؤيا الَّتي رآها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ـ ورؤيا الأنبياء وحيٌ ـ رأى أنَّ بَعْضَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُونَ فِي الْبَرْزَخِ على ذنوب وقعت منهم: كرفض القرآن، والنّوم عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، والكذب، والزِّنا، وأكل الرِّبَا، ففي حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ غَدَاةٍ:

"إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ... قَالَ: قُلْتُ لَهُما: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الكَرِيهُ المَرْآةِ، الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ٨٠/رقم ١٢٩٢) كِتَابُ الجَنَائِزِ.

<<  <   >  >>