للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أظهر الأدلَّة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ" (١)، فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لا يدري ما أحدث رجال من أمَّته بعد موته - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان الميِّت يسمع أو يرى أو يعلم لكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أولى بذلك.

ومع أنَّ الموتى ليس من شأنهم السَّماع، لكن إذا شَاءَ الله تعالى أن يسمعهم لم يمتنع، فالله تعالى يسمع مَنْ يشاء، كما أسمع أَهْلَ الْقَلِيبِ مِنْ بَدْرٍ كَلَامَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ" (٢).

وهذه حادثة أو وَاقِعَةُ عَيْنٍ، وحوادث الأعيان لا يستدلّ بها على عموم الأحكام، فهي لا تشمل غيرهم من الموتى، ليس لها حكم العموم، ولا تدلُّ على أنَّهم يسمعون دائمًا وأبدًا، فسماعهم خاص بذلك الوقت وبما قاله لهم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ويدلّك على ذلك قول قتادة في آخر الحديث: "أَحْيَاهُمُ الله حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ؛ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا".

ويدلّك على ذلك فهم عائشة - رضي الله عنها -، قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ، وَقَدْ قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى ... (٨٠)} [النّمل] " (٣)، فعائشة - رضي الله عنها - تنكر سماع الموتى إلَّا ما ثبت لهم، مثل: حديث القليب هذا، لكنَّها تشير إلى أنَّ سماعهم مقيَّد بالسَّماع له - صلى الله عليه وسلم -، وفي


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٦/ص ٥٥/رقم ٤٦٢٥) كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٥/ص ٧٦/رقم ٣٩٧٦) كِتَابُ المَغَازِي.
(٣) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ٩٨/رقم ١٣٧١) كِتَابُ الجَنَائِزِ.

<<  <   >  >>