فهناك من يشدُّ الرِّحال إلى أصحاب القبور هُنَا وَهُنَاكَ يدعونهم من دون الله تعالى، وقد أخبر الله أكبر أنَّ المدعوَّ من دونه من أصنام وأموات ليس من شأنهم السَّماع، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ... (١٤)} [فاطر].
وقد يعترض معترض، فيقول: إنَّ المراد بالَّذين لا يسمعون الأصنام، فالله تعالى نفى السَّمع عن الجمادات، ولم ينفِ السَّمع عن الأموات؟ ! والجواب: أنَّ كلمة من دونه تحتمل الجمادات والأموات وكلّ ما يُدْعَى من دونه الله تعالى، بدليل قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ... (١٤)} [فاطر]، فالّذي يقع منه الكفر بهذا الشِّرك يوم القيامة هم العقلاء من الأموات الَّذين كانوا يدعونهم من دون الله تعالى، وصدق الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥)} [الأحقاف].
ويدلك أنَّ الموتى لا يسمعون ولا يستجيبون، قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦)} [الأنعام]، فقد شبَّه الله تعالى الكفَّار بالموتى في عدم السَّماع، وهذا فيه أنَّ المشبَّه به - وهم الموتى- لا يسمعون؛ ولذلك وضعت علامة الوقف اللَّازم على كلمة (يسمعون)، ولم توضع على كلمة (الموتى)، فَافْهَم هَذَا.