للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ السُّوءِ فِي الدُّنْيَا مَا يُصِيبُهُ مِنَ النَّصَبِ وَالْحُزْنِ وَالمَشَقَّةِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَفَّارَةً لِذُنُوبِهِ

حَتَّى لا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ.

عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ... (١٢٣)} [النِّساء]؟ فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ، قَالَ: "غَفَرَ الله لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ـ قَالَهُ ثَلَاثًا ـ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْتَ تَمْرَضُ، أَلَسْتَ تَحْزَنُ، أَلَسْتَ تَنْصَبُ، أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ فِي الدُّنْيَا" (١).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: لمّا نَزَلَتْ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ... (١٢٣)} [النِّساء]، بَلَغَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا" (٢).

وهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فيها بِشَارَةٌ للمؤمن بما له عند الله تعالى من الكرامة في الآخرة، فالمؤمن لَا يَنْفَكُّ عنه غالبًا مَرَضٌ أَوْ هَمٌّ أَوْ نَحْو ذَلِكَ من الْأَمْرَاض والأعراض والأسقام وَالْآلَام البدنيّة أَوْ القَلْبِيَّة، الّتي إذا قارنها الصَّبر عليها يكفِّر الله تعالى بها مَا شَاءَ مِن ذُنُوب مَنْ تَقَعُ لَهُ.

حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْعَافِيَةِ يَتَمَنَّوْنَ يوم القيامة أنَّ أجسادهم قرضت بالمقاريض


(١) الحاكم "المستدرك" (ج ٣/ص ٧٨/رقم ٤٤٥٠) وقال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وقال الذّهبي: صحيح.
(٢) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٤/ص ١٩٩٣) كتاب الْبِرِّ.

<<  <   >  >>