للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ذكرت الله تعالى انخنس: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (٤)} [النَّاس]، ومع ذلك لا نستغني عن مجاهدة الشَّيطان، وَالتَّيَقُّظِ لِكَيْدِهِ ما دام فينا عِرْق يَنْبِضُ، أو عَيْنٌ تَطْرِفُ.

ولا ريب أنّ الله تعالى يوفِّق عباده المحسنين إلى سدِّ مداخل الشّيطان ويرزقهم الثَّبات عند الممات: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)} [الإسراء]، وفضل الله - جل جلاله - لَا يُخاف فَوْتُه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (٣٠)} [الكهف].

أمّا اعتقاد بعض النّاس أَن الشَّيَاطِين يأْتونَ ويحضرون المحتضر على صفة أَبَوَيْهِ فِي زِيِّ يهود ونصارى، حَتَّى يعرضُوا عَلَيْهِ كل مِلَّة ليُضِّلوه، فهذا لا يصحّ، قَالَ ابن حجر الهيثميّ في الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ نقلًا عَنِ السّيوطِيِّ: "لم يَرِدْ ذلك" (١).

وعلّة التَّخصيص في قوله - صلى الله عليه وسلم - (عِنْدَ المَوْتِ) في الحديث المتقدّم "وَأَعُوذُ بِكَ

أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ المَوْتِ" أنَّ المدار على العاقبة والخاتمة، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ" (٢)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيمَا يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ

الجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا" (٣).

فابتهل إليه سبحانه أن يلهمك عَمَلًا صَالِحًا قُبَيلَ مَوْتِك، وأن يَقْبِضك


(١) ابن حجر الهيثميّ "الفتاوى الحديثيّة" (ص ١١٨/رقم ١٢٣).
(٢) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (ج ٨/ص ١٢٤/رقم ٦٦٠٧) كِتَابُ القَدَرِ.
(٣) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (ج ٨/ص ١٠٣/رقم ٦٤٩٣) كِتَابُ الرِّقَاقِ.

<<  <   >  >>