للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه العذاب.

وإنك تجد في هذا الزَّمان مَنْ يؤخّر الوفاء بدين ميِّته، وربّما يكون الميّت قد ترك وراءَه مالًا، ومع هذا لا يقضي وارثه عنه دينه إلى حين الانتفاع من هذا المال وكسب ما يقضي به دينه، وهذا ظلم بيِّن، وعقوق ظاهر، وجحود لحقٍّ واجب للميّت، ولا يجوز تأخير الواجب عن وقته طمعًا في تحصيل منفعة مستحبّة، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَلا يَمْلَأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ" (١).

والإجماع منعقد على أن دين الميّت يُقضى من ماله قبل أن ينتقل مالُه إلى الورثة، فالميّت أحقّ مَنْ ينتفع بماله.

ومِنَ النّاس مَنْ يبخل بماله في حياته لما يخوّفه الشّيطان من الفقر، قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ ... (٢٦٨)} [البقرة]، فتجده يجمع ويمنع، فإذا بلغت نفسه إلى حلقه، وانقطع أمله في الحياة، ولم يعد للمال مكانة في قلبه، فزع إلى الصَّدقة وبالغ بها وأضرّ بالورثة، فيكون قد عصى الله تعالى في حياته بإمساكه وتفريطه، وعصاه حال موته بإسرافه وتبذيره وتضييعه ورثته، وتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، فلربّما خاب من الانتفاع به في يوم العوز والحاجة إليه.

قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ، تَأْمُلُ الغِنَى، وَتَخْشَى الفَقْرَ، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلانٍ كَذَا، وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ" (٢). فالصّدقة عند الموت


(١) البخاري "صحيح البخاريّ" (ج ٨/ص ٩٢/رقم ٦٤٣٧) كِتَابُ الرِّقَاقِ.
(٢) البخاري "صحيح البخاريّ" (ج ٤/ص ٤/رقم ٢٧٤٨) كِتَابُ الوَصَايَا.

<<  <   >  >>