للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأئمَّةُ يذكُرُونَ بعضَ الألفاظِ غيرِ الواردةِ بنصِّها في الوحيِ، لا لعدَمِ كفايةِ الوحيِ في الإفهامِ، وإنَّما لورودِ معنًى باطلٍ جديدٍ بعدَ انقطاعِ الوحيِ، فأرادوا دفعَهُ بلفظٍ جديدٍ، مِن غيرِ أن يؤثِّرَ على مَقصِدِ الشارعِ ومُرَادِه، ولو لم يُوجَدِ المعنى الجديدُ الباطلُ، لم يُوجَدِ اللفظُ الجديدُ؛ لأنه لا حاجةَ إليه.

وقد ذكَرَ لفظةَ "بذاته" غيرُ ابن أبي زيدٍ مِن الأئمَّة؛ لمَّا شاعَتْ مقالةُ التأويلِ والتعطيلِ، ممَّن يُثبِتُ لفظَ "الاستواء"، ويتأوَّلُ أو يعطِّلُ معناه؛ فكان إثباتُ اللفظِ القرآنيِّ للناس، مِن غيرِ زيادةٍ تَدفَعُ الباطلَ الجديدَ في الآذان، مُوجِبةً لهذه اللفظةِ عندَهم، وقد ذكَرَ أبو بكرٍ المُرادِيُّ القيروانيُّ في "الإيماءْ، في مسألةِ الاستواءْ" (١) جماعةً ممُّن نَصُّوا على ذكرِ استواءِ الذاتِ، ونسَبَهُ إلى ابنِ جريرٍ، والقاضي عبد الوهَّابِ، وظاهرِ كلامِ أبي الحسَنِ الأشعريِّ، والباقِلَّانيِّ.

وقد انتصَرَ ابنُ عبد البَرِّ وغيرُهُ لابنِ أبي زيدٍ (٢): بأنَّ اللهَ أثبَتَ الفوقيَّةَ لنفسِهِ بقولِهِ: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: ٥٠]، وقولِهِ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: ١٨]؛ فدَلَّ على علوِّ ذاتِهِ واستوائِها على العرشِ على الحقيقةِ التي تليقُ به، لا كما تليقُ بالمخلوقِ.

والإتيانُ بألفاظٍ مطابِقةٍ لم تَرِدْ في الشرعِ لإثباتِ حقيقةِ الصفاتِ بلا تشبيهٍ عند مَن تعسَّف بتأويلِها لإفهامِهِ: شيءٌ، ومقابَلةُ الإفراطِ بالتأويلِ بالإفراطِ بالتشبيهِ: شيءٌ آخَرُ غيرُ جائز.


(١) حكاه عنه القرطبيُّ في "الأسنى شرح أسماء الله الحسنى" (٢/ ١٢٣).
(٢) انظر: "التمهيد" (٧/ ١٢٩ - ١٣٠ و ١٣٨ - ١٣٩).

<<  <   >  >>