للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه اللفظةُ التي أورَدَها ابنُ أبي زَيْدٍ: "فَوْقَ عَرْشِهِ المَجِيدِ بِذَاتِهِ" أخطَأَ في التعامُلِ مع قولِه: "بذاتِهِ" كثيرٌ مِن المتكلِّمِينَ مِن الشُّرَّاحِ وغيرِهم؛ لأنَّها تُثبِتُ الاستواءَ حقيقةً، وكان خَطَؤُهم فيها على وجهَيْنِ:

الوجهُ الأوَّل: شكَّكوا في ثبوتِها عنه، وزعَمَ بعضُهم إقحامَها في كتابِه، منهم: أبو عَلِيٍّ البِجَائِيُّ؛ كما ذكَرَهُ الفاكِهانيُّ عنه (١)، وزَعْمُ إقحامِها عسيرٌ؛ فهي في كتبِ الشروحِ قديمِها وحديثِها، حتَّى شروحِ المتكلِّمين، ورَدَّ تلك الدَّعْوَى المتكلِّمُونَ أنفُسُهم؛ كابنِ نَاجِي التَّنُوخيِّ (٢)، وهذه اللفظةُ: "بذاتِهِ" في الأصولِ الخَطِّيَّةِ لكتابِ "الرسالةِ"، وعليها سَمَاعاتُ الأئمَّة، وكثيرٌ مِن المتكلِّمِينَ استنكَرَها على المؤلِّف، وتأوَّلها، ولم يقلْ: بأنَّها مدسوسةٌ؛ لاستحالةِ ذلك، ولو كان ثَمَّةَ بابٌ مُحتمِلٌ لكونِها مدسوسةً، لَأَظْهَرَهُ المحقِّقون منهم؛ فإنَّه أيسَرُ مِن تكلُّفِ التأويلِ.

وقد أثبَتَها طُلَّابُ ابنِ أبي زَيْدٍ والقَرِيبُونَ منه زَمَنًا في شَرْحِهم لها؛ كأبي بَكْرٍ محمَّدِ بنِ مَوْهبٍ، وأبي عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيِّ، وعبدِ الوَهَّابِ البَغْداديِّ، ومَن جاء بعدَهم (٣)، وهي عبارةٌ مستعمَلةٌ في زمَنِ ابنِ أبي زَيْدٍ وقبلَه.

وقد رأيتُها في نسخةٍ خَطِّيَّةٍ عتيقةٍ من "الرسالة"، لابن أبي زَيدٍ القَيرَوانيِّ، عليها سماعُ البقاعِيِّ عن ابنِ حجَرٍ العَسْقَلانيِّ بإسنادِهِ المتصِلِ


(١) "شرح الرسالة" لابن ناجي (١/ ٢٤).
(٢) "شرح رسالة ابن أبي زيد" له (١/ ٢٤).
(٣) "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" للقرطبي (٢/ ١٢٣).

<<  <   >  >>