للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الألفاظِ المجمَلةِ غيرِ المحكَمة، وقد كان مالكُ بن أَنَسٍ يَكرَهُ التحديثَ ببعضِ أحاديثِ الصفاتِ للعامَّة؛ وذلك حتى لا يَسبِقَ إلى أذهانِهم معنًى محظورٌ مِن التشبيه؛ كما قاله يحيى بنُ مُزَيْنٍ (١)، وابنُ عبد البَرِّ القُرطبيانِ (٢).

فإذا كان هذا عند مالكٍ في اللفظِ الواردِ في الحديث، فكيف بألفاظٍ لم تَرِدْ تقَعُ في ذهنِ السامعِ مَوقِعًا لا يليقُ بالله، وكان مالكٌ يشدِّدُ في إشارةِ الإنسانِ بيدِهِ عند ذكرِهِ لصفاتِ الله بما يُوهِمُ تشبيهًا؛ قال مالكٌ: "مَن وصَفَ شيئًا مِنْ ذاتِ اللهِ؛ مِثْلُ قولِهِ تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤]، وأشارَ بِيَدِهِ إلى عُنُقِه، ومثلُ قولِهِ: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١]، فأَشَارَ إِلَى عَيْنِهِ وأُذُنَيْهِ، أو شَيِء مِن بَدَنِهِ -: قُطِعَ ذلك منه؛ لأنَّه شَبَّهَ اللهَ بِنَفْسِهِ".

وهذا مِن مالك فيمَن قصَدَ التشبيهَ، أو فُهِمَ منه ذلك، وأمَّا عند الأمنِ مِن ذلك عند مَن صَحَّ معتقَدُهُ، وسَلِمَ لسانُهُ، لإثباتِ حقيقةِ الصفةِ لا تكييفِها -: فذلك ورَدَ فيه الحديثُ؛ كما في حديثِ أبي هُرَيْرةَ؛ أنه قال: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقْرَأُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨]، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِه، وَسَبَّابَتَهُ عَلَى عَيْنِهِ"؛ رواه أبو داودَ (٣).

وربَّما أجاز بعضُ السلفِ التعبيرَ بلفظٍ آخَرَ طابَقَ المعنى في موضعٍ، فيَظُنُّهُ بعضُ الناسِ جائزًا في غيرِه، فيقَعُ التشبيهُ والتعطيلُ؛ ولهذا


(١) "التمهيد" (٧/ ١٥١).
(٢) انظر: "التمهيد" (٧/ ١٥٠).
(٣) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>