للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّةِ المَغارِبةِ على هذا؛ كما قال ابنُ رُشْدٍ في "المقدِّمات": "وأمَّا ما وصَفَ به نفسَهُ تعالى في كتابِهِ: أنَّ له وجهًا ويَدَيْنِ وعينَيْنِ، فلا مَجَالَ للعقلِ في ذلك، وإنَّما يُفهَمُ ذلك مِن جهةِ السمعِ؛ فيجبُ اعتقادُ ذلك والإيمانُ به مِن غيرِ تكييفٍ ولا تحديدٍ" (١).

وقد كان بعضُ أهلِ المَغرِبِ يتأوَّلونَ ما ثبَتَ مِن الصفاتِ بالسمعِ، ويصفونَ المُثبِتةَ بـ "المجسِّمةِ"، و "المشبِّهةِ"، و "الحَشَويَّةِ"؛ توهُّمًا أنَّ مَن يُثبِتُ الحقيقةَ يأخُذُ بلوازمِها التي يَستحضِرُها الذهنُ عند التفكُّر.

وهذه لوازمُ لا يجوزُ الإلزامُ بها؛ لأنَّ مَن كانت ذاتُهُ لا شبيهَ لها، فصفاتُهُ لا شبيهَ لها كذلك، ومَن كانت لوازمُ ذاتِهِ لا شبيهَ لها، فلوازمُ صفاتِهِ لا شبيهَ لها كذلك.

وقد تَعقَّبَ الإلبيريُّ ابنَ رشدٍ في إثباتِهِ ما ثبَتَ بالسمعِ مِن الصفات (٢)، وقد أخطَأَ لأجلِ تلك المقدِّماتِ والإلزاماتِ والتوهُّمات.

وأصلُ تأويلِ الاستواءِ: توهُّمُ التشبيهِ بالمخلوقِ: إمَّا بذاتِ الصفة، وإمَّا بلوازمِها مِن الحَدِّ وغيرِه؛ وهذا يَرِدُ على المخلوق، ولا يَرِدُ على الخالقِ؛ لأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]؛ كما سَمِعَتِ امرأةُ جَهْمِ بنِ صَفْوانَ رجلًا يقولُ: اللهُ على عَرْشِه، فقالتْ: محدودٌ على محدودٍ؛ فقال الأصمعيُّ: "هي كافِرةٌ بهذه المَقَالَة" (٣)؛ فقد توهَّمَتْ تشبيهًا؛ فصارت إلى التعطيل، ولو سَلِمَتْ مِن التشبيهِ، لم تعطِّلْ.


(١) "المقدمات" (١/ ٢٠).
(٢) له رسالة في الرد على أبي الوليد بن رشد في مسألة الاستواء.
(٣) "الأربعين في صفات رب العالمين" (١٢)، و "العلو" (٤٣٦)، و "اجتماع الجيوش" (٢/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>