للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخالِقِ وصفاتِه؛ فعطَّلوا صفاتِ الخالِقِ، وأظهَرُ حُجَجِهم في هذا البابِ هي:

الأُولى: أنَّ الحروفَ والأصواتَ متعاقِبةٌ، وأنَّ الكلمةَ لا تكونُ كلمةً إلا وحروفُها متوالِيَةٌ، وهذا التعاقُبُ يعني حدوثَهَا، واللهُ منزَّهٌ عن الحوادث؛ وهذا يَطَّرِدُونَ فيه، فيتصوَّرون التعاقُبَ في صفةِ الاستواءِ والنزول، والقَبْضِ والبَسْط، فينفون تلك؛ لأنها حوادثُ، واللهُ منزَّهٌ عنها، ولو اطَّرَدُوا، لنَفَوْا تعاقُبَ السمعِ والبصَرَ؛ لأنه على أصلهم فالنظَرُ يقتضي سماعَ اللهِ لكلامِ خلقِهِ متواليًا؛ فقولُ العبدِ: "يا رَبِّ" يَلزَمُ منه أنَّ السمعَ يَسمَعُ الياءَ قبل الألفِ والراءِ والباء؛ وهذا حدوثٌ في السمعِ، كما هو حدوثٌ في المسموعِ؛ وسَمْعُ اللهِ منزَّهٌ عن الحوادث، ومثلُهُ البصَرُ؛ فصلاةُ العبدِ ركعتَيْنِ؛ يُبصِرُ اللهُ ببصَرِهِ تكبيرةَ الإحرامِ قبل التسليمتَيْن؛ وهذا حدوثٌ في البصَر، كما هو حدوثٌ في المُبصَر؛ واللهُ منزَّهٌ عن الحوادث.

وَيلزَمُ مِن هذا التأصيلِ: نفيُ السمعِ والبصَر، وجعلُ السمعِ والبصَرِ هو العلمَ فقطْ! ولكنَّ الله يَعلَمُ بالفِعلِ قبلَ حدوثِه، ويراهُ عند حدوثِه، ويَعلَمُ بدُعاءِ العبد له قبل حدوثه، ويَسمَعُه عند حدوثه.

وذلك التأصيلُ الفاسِدُ يَرجِعُ إلى أنهم اتخَذُوا قواعدَ تَجرِي على حوادثِ المخلوقين؛ فجعَلُوها تجري على اللهِ وصفاتِه، واللهُ يَفعَلُ ما يشاء، كيفما شاء، متى شاء، ومِن ذلك كلامُهُ؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢]، فعلَّق اللهُ الكلامَ بالمشيئة، وقال: {إِذَا} الدالَّةَ على المستقبَل.

الثانية: أنَّ إثباتَ الحرفِ والصوتِ يَلزَمُ منه إثباتُ الحَلْقِ واللسان، والحاجةِ للهواء؛ وهذا عَيْنُ التشبيهِ الذي يستقِرُّ في نفوسِهم؛ والحقُّ أنه لا يَلزَمُ مِن إثباتِ الصوت والحرف حَتْمِيَّةُ إثباتِ تلك اللوازم، فاللهُ أثبَتَ

<<  <   >  >>