للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلامُهُ هذا كلُّه لا يجري على الكلامِ النَّفْسيِّ فحَسْبُ؛ لأنه استَدَلَّ بالكلامِ المكتوبِ المنزَّلِ؛ كما في الآية: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ}، {تَنْزِيلَ}، والمكتوبُ والمنزَّلُ على قولِهم، ليس هو الكلامَ المَعْنِيَّ القائمَ بالنَّفْس.

وهكذا في كلامِ أبي عَمْرو الدانيِّ في "منظومتِه":

وَالقَوْلُ فِي كِتَابِهِ المُفَصَّلْ ... بِأنَّهُ كَلَامُهُ المُنَزَّلْ

عَلَى رَسُولِهِ النَّبِيِّ الصَّادِقِ ... لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَلَا بِخَالِقِ

مَنْ قَالَ فِيهِ إِنَّهُ مَخْلُوقُ ... أَو مُحْدَثٌ فَقَوْلُهُ مُرُوقُ

وَالْوَقْفُ فِيهِ بِدْعَةٌ مُضِلَّهْ ... وَمِثْلُ ذَاكَ اللَّفْظُ عِنْدَ الجِلَّهْ (١)

وكلامُهُ: في الكلامِ المنزَّلِ أنَّه غيرُ مخلوق، بل بدَّع القائلَ بالوقفِ فيه.

وكلامُ اللهِ الذي كلَّمه لجبريلَ ولنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم-، هو ما نَسمَعُهُ ونَقرَؤُهُ، وهو غيرُ مخلوقٍ، ولو كانت أصواتُ المخلوقِينَ وأفواهُهُمْ وألسنَتُهُمْ مخلوقةً؛ كما هم مخلوقون.

وقد كان الأئمَّةُ يُنكِرُونَ القولَ بخلقِ القرآنِ لِعِلَّةِ كونِهِ مسموعًا في الأرض، ومنزَّلًا إليها؛ كما قال أسَدُ بن الفُرَاتِ، وهو مِن تلاميذِ مالكٍ: "وَيْحَ أهلِ البِدَعِ؛ هلَكَتْ هَوَالِكُهم؛ يَزْعُمُونَ أنَّ اللهَ خلَقَ كَلَامًا؛ يقولُ ذلك الكلامُ المخلوقُ: {أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه: ١٤]؟ ! " (٢).

وأهلُ اللسانِ العَرَبيِّ يَعلَمُونَ أنَّ المقصودَ بكلامِ اللهِ غيرِ المخلوقِ: هو المنزَّلُ والمقروءُ والمسموعُ؛ ولهذا ذكَرَ غيرُ واحدٍ منهم؛ كأبي عُبَيْدٍ القاسمِ بنِ سَلَّامٍ: "أنَّ الرجلَ لو حلَفَ ألَّا يَتكلَّمَ بشيءٍ، فقرَأَ


(١) "الأرجوزة المنبهة" (ص ١٨٠ - ١٨١).
(٢) "طبقات علماء إفريقية" (ص ٨٢).

<<  <   >  >>