للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: ٣٦]، وقال: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: ٢٧]، وقال: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: ١٦٢ - ١٦٣]، وقال: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: ٤٦]، في آيٍ كثيرة" (١).

والقَدَرِيَّةُ أصَّلوا لقولِهم بالكلامِ والنَّظَر، ثُمَّ استدَلُّوا بأدلَّةٍ متشابِهةٍ في قلوبِهم، توهَّموها حُجَّة لقولِهم:

وذلك كالآياتِ التي تبيِّن أنَّ العبادَ يَفعَلُونَ ويترُكُونَ، فيُؤمِنونَ ويَكْفُرونَ ويفسُقُونَ، ويطيعون ويَعصُون.

وهذا كلُّه داخلٌ في مشيئةِ العبد، ولا يُخرِجُ مشيئةَ الله النافِذةَ عليه.

وكاستدلالِهم بأدلَّةِ إتقانِ الله لخلقِهِ وصنعتِهِ؛ كقولِهِ تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨]؛ فجعَلُوا لازمَ ذلك نَفْيَ نِسْبةِ تصرُّفاتِ الناسِ إلى الله؛ لِمَا تتضمَّنُهُ مِن عدَمِ إتقانٍ وإخلالٍ، وضلالٍ وكفر.

واللهُ سبحانه يُرِيدُ أصلَ خلقِهِ حيثُ أبدَعَهُ وأتقَنَهُ، وأمَّا فسادُ أعمالِ الناسِ: فمِن مشيئَتِهِمُ التي أَذِنَ اللهُ بها لِحِكْمةٍ، فلم يخرُجُوا عن إرادتِهِ وتقديرِه، والآيةُ نفسُها دالَّةٌ على إثباتِ الفعلِ للناسِ؛ فالله قال: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: ٨٨]، فلمَّا ذكَرَ صُنْعَ الخالقِ، أضافَهُ إلى نفسِهِ: {صُنْعَ اللَّهِ}؛ لأنه لا مشيئةَ لأحدٍ معه فيه، ولمَّا ذكَرَ فعلَ الناسِ، أضافَهُ إليهم: {بِمَا تَفْعَلُونَ}؛ لِمَا لهم مِن اختيارٍ ومشيئةٍ بعد مشيئتِه.

وليس ما يَستقبِحُهُ الناسُ مِن ذواتٍ وأفعالٍ دليلًا على نِسْبَتِها


(١) "الجامع" لابن أبي زيد (ص ١٢١).

<<  <   >  >>