للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* وأمَّا الشفاعةُ التي تكونُ للارتفاعِ في الجَنَّةِ: فهي شفاعةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وغيرِهِ مِن الملائكةِ والأنبياءِ والصالِحِينَ لغيرِهم: بأنْ يَلحَقُوا بهم، أو مَن دُونَهم ممَّن قَصُرَ عمَلُهم عن بلوغِ تلك المَرْتَبة (١)، وكشفاعةِ الأزواجِ والآباءِ والأبناءِ والأرحامِ بعضِهم لبعضٍ (٢).

ولا يَشفَعُ إلَّا مؤمِنٌ، ولا تُقبَلُ الشفاعةُ مِن غيرِه؛ لأنَّ اللهَ لا يَرْضَى عن الكافِر:

وكلَّما ضَعُفَ إيمانُ العبد، ضَعُفَ احتمالُ شفاعتِه؛ حتى يكونَ أضعَفُ الأُمَّةِ إيمانًا لا يَشفَعُ لأحدٍ؛ لأنه لن يَشفَعَ لمن فَوْقَهُ؛ لأنه أقوى إيمانًا منه، وليس تحتَهُ أحدٌ يَشفَعُ له.

وكلَّما علَتْ مَرْتَبةُ المؤمِن، قَلَّ الشافِعُونَ له؛ لِعُلُوِّهِ عليهم، وبلوغِهِ مرتبةَ تمامِ الرضا أو مقارَبَتِها؛ ولهذا لم يثبُتْ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَشفَعُ له أحدٌ؛ لأنه أفضَلُ الأنبياءِ والناسِ أجمعين؛ فكان أعظَمَهُمْ شفاعةً لغيرِهِ، وغيرُهُ عديمُ الشفاعةِ له.

ولا يأذَنُ بالشفاعةِ إلا اللهُ، وليس الإذنُ لأحدٍ مِن الخَلْقِ؛ مهما علَتْ منزلتُهُ وارتفَعَ شأنه؛ قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: ٤٤]، وقال: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨].

والشفاعةُ لا تكونُ مِن أحدٍ حتى يكونَ فيها أمرانِ:

- إذنُ اللهِ للشافعِ أن يَشفَعَ.

- ورضاهُ عن المشفوعِ له.


(١) كما في حديث أبي موسى عند البخاري (٤٣٢٣ و ٦٣٨٣)، ومسلم (٢٤٩٨). وحديث أم سلمة عند مسلم (٩٢٠).
(٢) كما عند مسلم (٢٦٣٥) من حديث أبي هريرة. وهو في شفاعة الأبناء للآباء.

<<  <   >  >>