ومَن أجازتِ الشريعةُ الخروجَ عليه مِن الحُكَّامِ، يُشترَطُ في ذلك: القُدْرةُ، وألَّا تكونَ بالتوهُّمِ، وأن يَغلِبَ على ظنِّهم أنَّ الحاكِمَ الموضوعْ، أفضلُ مِن الحاكِمِ المدفوعْ، والحالَ اللاحِقهْ، أفضَلُ مِن السابِقهْ، وكثيرٌ مِن الناسِ يفكِّرُونَ في الخلاصِ مِن الحالْ، ويَغِيبُ عنهُمُ المَآلْ، والتفكيرُ في أَذَى السُّلْطانِ الموجودِ لا ينبغي أن يُنسِيَ الحالَ بعدَه، فإنْ كان خيرًا بغَلَبةِ ظَنٍّ مع قُدْرةٍ، جاز، وهذا نادِرٌ؛ فإنَّ مَن أخَذَ المُلْكَ كَرْهًا، لن يَترُكَهُ طَوْعًا إلا بمَوْتِهِ، وبذلِ الوُسْعِ في قتلِ الناسِ وإفسادِ حياتِهم بعدَه؛ ولهذا سمَّى اللهُ زَوَالَ المُلْكِ: نَزْعًا؛ مشابَهةً له بنَزْعِ الرُّوحِ:{وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ}[آل عمران: ٢٦].
ويجِبُ النظرُ إلى صلاحِ الدِّين والدنيا، وتغليبُ صلاحِ الدِّين على صلاح الدُّنيا عند التزاحُم، فإنَّ المرجئةَ ميزانُهم صلاحُ الدنيا وحدَها ولو فسَدَ الدِّينُ كلُّه، وإنَّ الخوارجَ ميزانُهم صلاحُ الدِّين وحدَه ولو فسَدَتِ الدُّنيا كلُّها، فلا يفرِّقون بين حفظِ أصل الدِّين وبين حفظِ فرعِه، ولا بين إضاعةِ أصلِ الدُّنيا وبين إضاعة فرعِها، فإنَّ للدُّنيا أصلًا لا يقومُ الدِّينُ إلا به، وإنَّ لها فرعًا لا يضيَّعُ الدينُ لأجلِه.