وأكثَرُ المتكلِّمينَ أثرًا في المغرِبِ: أبو بكرٍ الباقِلَّانِيُّ، وصاحبُهُ أبو ذَرٍّ الهَرَويُّ، ثُمَّ الجُويْنِيُّ:
فالأوَّلُ: أخَذَ عنه المَغارِبةُ في العراق، وبلَغَت بعضُ كُتبِه المغرِبَ، كـ "التمهيد"؛ فقد شرَحَه أبو القاسِم عبدُ الجَلِيل الرَّبعيُّ القيروانيُّ، وسَمَّى شَرْحَه:"التَّسْدِيد، في شرحِ التَّمْهِيد"، وكان منتَصَفَ القَرنِ الخامس.
والثاني: أخَذُوا عنه في مَكَّةَ؛ لأنَّه جاوَرَ فيها، وأسمَعَ البخاريَّ والفقهَ والكلامَ أزيَدَ مِن ثلاثينَ عامًا، وكان يَمِيلُ إلى مذهبِ مالك، وكان يُعجَبُ مِن مذهبِهِ، وهو هَرَوِيٌّ، وكان يُسأَلُ: مِن أينَ تَمَذْهَبْتَ بمذهبِ مالكٍ ورأيِ الأشعريِّ، معَ أنَّك هَرَوِيٌّ؟ !
وأمَّا الثالثُ: فقد انتشَرَتْ كتبُهُ وتلاميذُهُ في المغرِبِ وغيرِه.
وسَمِعَ مِن أبي ذَرٍّ الهَرَويِّ -وقد سكَنَ مكَّةَ عقودًا- وأخَذَ عنه جماعةٌ كثيرةٌ مِن أهلِ المغربِ، وكان يُقصَدُ لروايتِهِ للبخاريِّ، وصحةِ ضبطِهِ له، وكان أكثَرَ مَن أدخَلَ أَهلَ الحديثِ المغاربةَ في علمِ الكلام؛ فقد أخَذَ عنه أبو عِمْرانَ الفاسيُّ، وأبو الوليدِ الباجيُّ، ومَكِّيُّ بن أبي طالبٍ، وجماعةٌ.