للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي ذَرٍّ الهَرَويِّ، وابنِ أبي زَيْد، وقد تأوَّل الاستواءَ وصفةَ اليدِ؛ فجعلَهُما بمعنى القُدْرةِ في موضع (١)، والأكثَرُ تصريحُهُ بالإثبات، وقد قال: "وأحسَنُ الأقوالِ في هذه: "عَلَا والذي يعتقِدُهُ أهلُ السُّنَّةِ ويقولونَهُ في هذا: أنَّ اللهَ جلَّ ذكرُهُ: فوقَ سمواتِهِ على عرشِهِ دونَ أرضِه، وأنَّه في كلِّ مكانٍ بعلمِه، وله -تعالى ذِكرُه- كُرْسيٌّ وَسِعَ السمواتِ والأرضَ؛ كما قال جلَّ ذكرُه؛ وكذلك ذكَرَ شيخُنا أبو محمَّدِ بن أبي زَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ" (٢).

ومِن الأئمَّةِ: مَن يفسِّرُ الخبَرَ بما يَظهَرُ منه التأويلُ، وهو أرادَ معنًى مِن معانيه، لا حقيقتَهُ؛ فإنَّ مِن معاني العُلُوِّ: القُدْرةَ؛ فلا يعلو إلا قادِرٌ قاهِرٌ؛ كما أنَّ مِن معاني القُدْرةِ والقهرِ: العلوَّ؛ فلا يَقْهَرُ ويَقْدِرُ إلا عالٍ؛ فيُظَنُّ أنه يَتأوَّلُ، ولو نُظِرَ إلى قولِهِ في موضعٍ آخَرَ، لبان معتقَدُهُ، وإنْ قصُرَ قولُهُ في موضعٍ آخَر.

والكلامُ في المتأخِّرينَ مِن المالكيَّةِ أكثَرُ مِن المتقدِّمينَ، حتى كان مِن هذه الطَّبَقةِ: مَن يُنكِرُ على مَن لم يَجْرِ على طريقةِ أهلِ الكلامِ؛ كما حطَّ ابنُ العَرَبيِّ على ابنِ خُوَيْزْ مِنْدَادَ، وابنِ أبي زَيْد.

وإنما ظهَرَ بعضُ كلامِ الأشعريِّ في قليلٍ من كلامِ أبي الحسَنِ بنِ القابِسِيِّ، وبعضِ تلامذتِهِ؛ كأبي عِمْرانَ الفاسيِّ على ما تقدَّم، وتوسَّع في بعضِ تلامذةِ أبي عِمْرانَ؛ كأبي محمَّدٍ عبد الحميدِ بنِ الصائغِ القَيرَوانيِّ، وفي بعضِ تلامذةِ الصائغِ؛ كمحمَّدِ بنِ عليٍّ المازَرِيِّ شارحِ "مسلِمٍ" بكتابِهِ "المُعلِم".

ومِن طَبَقةِ الصائغِ في المغرِبِ: أبو بكرٍ محمَّدُ بن الحسَنِ المُرَادِيُّ الحَضْرَميُّ القَيْرَوانيُّ، صاحبُ "التجريد، في علمِ الكلام"، وتلاميذُهُ؛


(١) "الهداية" (١/ ٢٠٩ و ٥/ ٣٦٦٤).
(٢) "الهداية" (٧/ ٤٦١٠).

<<  <   >  >>