للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشعريَّةَ المتأخِّرةَ المفوِّضةَ بالجملةِ والمتأوِّلةَ، وأطَرَ الناسَ عليها، وفتَنَ المخالِفِينَ وشَرَّدَهم، وسمَّى أتباعَ مذهبِهِ: "الموحِّدينَ"؛ لَمْزًا للمخالِفِينَ، وكان يسمِّي مَن سبَقَهُ مِن أهلِ المغرِبِ بـ: "المجسِّمةِ"؛ يُريدُ: المثبِتةَ التي لا تَتأوَّلُ، مِن المُرابِطِينَ وغيرِهم.

وفي زَمَنِ ابنِ تُومَرْتَ وما بعدَه: قَوِيَ علمُ الكلامِ في المَغرِبِ، وأُطِرَ الناسُ على الظاهِرِيَّةِ في الفروع، وعلى الأشعريَّةِ في الأصول، وشُنِّعَ على المخالِفِين، وأُحرِقَتْ كُتُبُ المالكيَّة، وكُفِّرَ أهلُ السُّنَّةِ بحُجَّةِ أنَّهم مجسِّمةٌ، وذكَرَ أبو بكرٍ البَيْذَقُ: أنَّه سُبِيَتْ نساؤُهُم لأجل ذلك، وانتشَرَتْ كتبُ ابنِ تُومَرْتَ "المُرشِدَةُ"، و"أَعَزُّ ما يُطلَب"، وشاع تدريسُ كتابِ "الإرشاد" للجُوَيْنِيِّ.

ثم جاء أبو عَمْرٍو السلالجيُّ في القرنِ السادس، وتصدَّى لتعليمِ عقيدةِ ابنِ تُومَرْتَ، وألَّف "العقيدةَ البُرْهانِيَّة" (١)، وبَقِيَتْ عمدةَ المغاربةِ في علمِ أصولِ الدِّينِ إلى اليومِ، ولا يزاحِمُها إلا كتبُ المتأخِّرِينَ؛ كالسُّنُوسيِّ في القرنِ التاسعِ في رسالتِهِ "أُمِّ البَرَاهِينِ"، و"العقيدةِ الصُّغْرى"، وقد كانت في المغرِبِ دولةُ المُرابِطِين، وكان أوَّلُها خيرًا مِن آخِرِها، ثم تَبِعَتْها دولةُ الموحِّدِين، وكان آخِرُها خيرًا مِن أوَّلِها.

وكان في المغرب قبل الموحِّدينَ مَن يصنِّفُ في الاعتقادِ على طريقةِ المتكلِّمين؛ كأبي بكرٍ المُرَاديِّ الحضرميِّ، وكان يَعُدُّهُ عياضٌ مَن أدخَلَ علمَ العقائدِ بهذه الطريقةِ إلى المغرِب.

وقد أخَذَ ابنُ تُومَرْتَ مذهَبَهُ مِن رحلتِهِ إلى المَشارِقةِ المتكلِّمين؛


(١) وهو مطبوع بتحقيق: نزار حمادي.

<<  <   >  >>