للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى جُعِلَ المجازُ مصطَلَحًا في العربيَّةِ يُضاهِي الحقيقةَ، وقد يفوقُها؛ كما يَظهَرُ في تقريراتِ أوائلِ مَن عبَّر عن هذا الاصطلاحِ؛ كالأخفشِ في "معاني القرآن" (١)، والجاحظِ في "البَيَان"، و"الحَيَوان" (٢)؛ حتى زعَمَ ابنُ جِنِّيْ في "الخصائص" (٣): أنَّ أكثَرَ اللغةِ مجازٌ، لا حقيقةٌ.

والعجَبُ: أنَّهم يَقبَلُونَ التأويلَ بعقولِهم، ويَرُدُّونَ تفسيرَ السلفِ لأنَّه مِن عقولهم؛ وعقولُ السلفِ أصَحّ، وألسنَتُهُمْ أفصَح.

ولما اتسَعَ الأخذُ بعلمِ الكلام، طُوِّعَتِ العربيَّةُ له، ولم يُطوَّعْ لها، وكَثُرَتِ البِدَعُ مِن أهلِ العربيَّةِ؛ حتى قال إبراهيمُ الحَرْبيُّ: "كان أهلُ البَصْرةِ أهلَ العربيَّة، منهم أصحابُ الأهواءِ، إلا أربعةً؛ فإنَّهم كانوا أصحابَ سُنَّةٍ: أبو عَمْرِو بن العَلَاءِ، والخليلُ بن أحمَدَ، ويُونُسُ بن حَبِيبٍ، والأَصمَعيّ" (٤).

وقد ظهَرَ الاعتزالُ في كثيرٍ مِن أهلِ العربيَّةِ مع إمامَتِهم فيها؛ كهارونَ الأعوَرِ، وأبي محمَّدٍ اليَزِيدِيِّ، وقُطْرُبٍ، وسعيدٍ الأخفَشِ، وأبي عثمانَ المازنيِّ، والجاحظِ، وقد كتَبَ الجاحظُ كتبًا لنصرةِ القولِ بخلقِ القرآنِ، وتعطيلِ الصفاتِ؛ ككتابِ "خَلْق القرآن"، و"الرَّدِّ على المشبِّهة"؛ كتَبَها لأبي الوليدِ محمَّد بن أحمدَ بنِ أبي دُؤَادٍ قاضي المتوكِّل، ولم يَبْقَ لهذه الكتبِ ذِكْر، وهُجِرَتْ حتى فُقِدَت.

* * *


(١) "معاني القرآن" (١/ ٦١ و ٨٤) و (٢/ ٥٢٩).
(٢) "الحيوان" (١/ ٢١٢ و ٣٤١) و (٤/ ٣٩٤ وما بعدها) (٥/ ٢٣ - ٣٤).
(٣) "الخصائص" (٢/ ٤٤٩).
(٤) "تاريخ بغداد" (١٢/ ١٦٦ - ١٦٧).

<<  <   >  >>