للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (الَّذِي ابْتَدَأَ الإِنْسَانَ بِنِعْمَتِهْ، وَصَوَّرَهُ فِي الأَرْحَامِ بِحِكْمَتِهْ):

التذكيرُ بنعمةِ اللهِ على عَبْدِهِ مُوجِبٌ لظهورِ حَقِّ اللهِ على عبدِه؛ فحَقُّ اللهِ سابِقٌ ولاحِق، ونِعَمُهُ لا تُحصَى، وإنما يُؤتَى الإنسانُ بغَفْلَتِهِ عن هذا؛ وضلالُهُ يكونُ مِن جهتَيْنِ:

الأُولى: أن يَنسُبَ فضلَ اللهِ ونعمتَهُ عليه إلى غيرِ الله؛ فيعبُدَهُ مِن دُونِ الله.

الثانية: أنْ يَنسَى فضلَ اللهِ عليه، ويغفُلَ عنه؛ فيغفُلَ عن عبادةِ اللهِ وحقِّه عليه بمقدارِ غَفْلَتِه.

ولهذا تأتي أسبابُ التذكيرِ بفضلِ اللهِ على عبدِهِ: إمَّا بالابتلاءِ ليرجِعَ، وإمَّا بالتوفيقِ والمراجَعةِ للحقِّ بالتذكُّرِ والعِلْمِ والفَهْم.

* * *

* قَالَ ابْنُ أَبي زَيْدٍ: (وَأَبْرَزَهُ إِلَى رِفْقِهْ، وَمَا يَسَّرَهُ لَهُ مِنْ رِزْقِهْ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْهِ عَظِيمًا، وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهْ، وَأَعْذَرَ إِلَيْهِ عَلَى أَلْسِنَةِ المُرْسَلِينَ الخِيَرَةِ مِنْ خَلْقِهْ؛ فَهَدَى مَنْ وَفَّقَهُ بِفَضْلِهْ، وَأَضَلَّ مَنْ خَذَلَهُ بِعَدْلِهْ، وَيَسَّرَ المُؤْمِنِينَ لِلْيُسْرَى، وَشَرَحَ صُدُورَهُمْ لِلذِّكْرَى، فَآمنُوا بِاللهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ نَاطِقِينْ، وَبِقُلُوبِهِمْ مُخْلِصِينْ، وَبِمَا أَتَتْهُمْ بِهِ رُسُلُهُ وكُتُبُهُ عَامِلِينْ، وَتَعَلَّمُوا مَا عَلَّمَهُمْ، وَوَقَفُوا عِنْدَ مَا حَدَّ لَهُمْ، وَاسْتَغْنَوْا بِمَا أَحَلَّ لَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ):

ذكَرَ المؤلِّفُ نِعْمةَ اللهِ على عبدِهِ مِن إيجادِهِ وكَفَالَتِهِ وتعليمِه، وذكَرَ دليلَ الخلقِ بقولِهِ: "وَنَبَّهَهُ بِآثَارِ صَنْعَتِهْ"؛ وهذا كثيرٌ في القرآنِ؛ يأمُرُ عبادَهُ بالنظَرِ والتفكُّرِ والسَّيْرِ في الأرضِ؛ لتدبُّرِ آياتِ اللهِ والتأمُّلِ فيها؛

<<  <   >  >>