الدواعي مع قيام الموجب لها، أو سلب القدرة الجازمة وهو أن اللَّه صرف قلوب الأمم عن معارضته مع قيام المقتضى التام أو سلبهم القدرة المعتادة في مثله سلبًا عامًا شل قوله تعالى لزكريا:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا}[مريم: ١٠].
فإن هذا يقال على سبيل التقدير والتنزيل، وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلام يقدر الناس على الإتيان بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة من أبلغ الآيات الخارقة للعادة بمنزلة من يقول: "إني آخذ جميع أموال أهل الأرض، أو أهل هذه البلد العظيم، وأضربهم جميعهم وأجوعهم، وهم قادرون على أن يشتكوا إلى اللَّه، وإلى ولي الأمر، وليس فيهم مع ذلك من يشتكي فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة، ولو قدر أن أحدًا صنف كتابًا يقدر أمثاله على تصنيف مثله، أو قال شعرًا يقدر أمثاله على أن يقولوا مثله وتحداهم كلهم فقال: عارضوني، وإن لم تعارضون فأنتم كفار مأواكم النار ودماؤكم حلال امتنع في العادة أن لا يعارضه أحد فإذا لم يعارضوه كان هذا من العجائب الخارقة للعادة.
والذي جاء بالقرآن العظيم -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للخلق كلهم أنا رسول اللَّه إليكم جميعا، ومن آمن بي دخل الجنة، ومن لم يؤمن بي دخل النار، وقد أبيح لي قتل رجالهم وسبي ذراريهم ونسائهم وغنيمة أموالهم، ووجب عليهم كلهم طاعتي ومن لم يطعني كان من أشقى الخلق.
ومن آياتي هذا القرآن فإنه لا يقدر أحد على أن يأتي بمثله وأنا أخبركم أن أحدًا لا يأتي بمثله فإنه لا يخلو إما أن يكون الناس قادرين على المعارضة، أو عاجزين فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه، بل صرف اللَّه دواعى قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم، أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبل تحديه،